د. فاطمة عاشور

نجوى.. في طياتها الخير

ومضات الوهج
الومضة الخامسة
5 رمضان

في سورة النساء يقول تعالى (لاخير في كثير من نجواهم إلا من أمر بصدقة أو معروف أو إصلاح بين الناس ومن يفعل ذلك ابتغاء مرضات الله فسوف نؤتيه أجرا عظيما)، (آية ١١٤).

النجوى هي الحديث بين الناس، وقيل النجوى هو مايتم تناوله سرا من التدبير، وقال مجاهد: هذه الآية عامة في حق جميع الناس، إذن في هذه الآية يقرر المولى سبحانه بأن أغلب حديث الناس وما يتبادلونه من أقاويل و كلام لاخير فيه إلا ماكان في وجه من وجوه البر، وهناك حديث لرسول الله صلى الله عليه وسلم يوافق هذا المعنى (كلام ابن آدم كله عليه لا له ماخلا أمرا بمعروف أو نهيا عن منكر)، وحدد سبحانه و تعالى هذه الوجوه في الآية الكريمة، فالحديث الذي فيه خير وفق الآية يكون محصورا في ثلاث :-

أولها الأمر بالصدقة ويقصد من ذلك التوجيه بتقديم الصدقات سواء المالية منها أو المعنوية فالابتسامة في وجه أخيك صدقة و وأنواع الصدقات كثيرة فالحث والعمل على بناء المساجد و تفريج الكربات والانفاق على وجوه الخير والتودد للجار ولذي القربى وذوي الرحم، كل هذه صدقات .

ثانيا : الأمر بالمعروف ويدخل تحت هذا اللواء الحث والنصح على أي وجه من وجوه الخير وإشاعة المعروف بين الناس وتذكير الناس به و تذاكر مواطن المعروف والبر وهي كثيرة لاحصر لها، فالحديث بين الناس الذي يشمل الحث و الترغيب والتوجيه لأي من وجوه البر والخير فهو حديث فيه خير.

ثالثا:- الإصلاح بين الناس ويعنى به الإصلاح بين المختصمين والمتباينين وهو مجال عظيم من مجالات الخير و المعروف فرسول الله يقول (ليس الكذاب الذي يصلح بين الناس فينمي خيرا أو يقول خيرا) بل إن الرسول الكريم وضعها في منزلة أعلى من الصدقة والصيام و الصلاة (ألا اخبركم بأفضل من درجة الصلاة والصيام والصدقة؟

قالوا:بلى. قال: إصلاح ذات البين، وفساد ذات البين هي الحالقة)، فالسعي بين المتخاصمين بالصلح و التوفيق من أعظم وجوه الخير بل إنه لايعد كاذبا من يكذب في سبيل ذلك، فحبيبنا المصطفى لم يرخص فيما يقوله الناس إلا في الحرب والإصلاح بين الناس، وحديث المرأة لزوجها والرجل لامرأته بما فيه من المجاملة الرقيقة والكلمات اللطيفة التي توطد أواصر الحب .
فمن كان حديثهم يدور في رحاب المواضع الثلاث فهو حديث تحققت فيه الخيرية والصلاح ومن يفعل ذلك سعيا لرضا الله عليه فهو موعود بأجر عظيم وعظيم هنا لايعرف مداها إلا الله.

لطائف و استفادات :-
– غالب أحاديثنا لا خير فيها بل قد يكون فيها الوبال العظيم فكم نغتاب و كم ننهش في لحوم الناس وكم نفصل أعمالهم بل ونبحر في أعماق نياتهم، كم نهدر من ساعات تتبارى فيها ألسنتنا بالحديث الذي لاخير فيه، إن أخطأ أحدهم ذبحناه نقدا وتجريحا ، فهلا عودنا أنفسنا ألا نخوض إلا فيما يفيد!
بدلا من الخوض فيما فعل أحدهم فلنتحدث كيف نعين أحدهم وبماذا نساعد المحتاج وكيف نضع خطة لإعانة النساء المطلقات و الأرامل في الحي وهيا لنسعى لإعداد كتاب عن كيفية التربية المثلى للطفل، استبدل الساعتين في النميمة بساعتين تزور فيها مريضا أو اثنين، بزيارة لذوي رحمك المنسيين الذين اعتزلوا الدنيا واعتزلهم الناس ، اكتب مقالا فيه خير وفائدة بدلا من هدر طاقتك الكلامية في القيل والقال،
إذن استثمر كلماتك في معروف أخي المسلم و اجعله لك لاعليك.

– حال مجتمعاتنا اليوم مبكية من كثرة البين و الخصام فالأرحام تقطعت والإخوة تفرقوا وذهب الكبر و الأنانية و الانتصار للذات بعقول الناس وضمائرهم، كيف يصلي العبد ويصوم وهو مقاطع لشقيقه ولايلقي السلام على عمه ! هذا الدين دين ألفة ومحبة و ليس دين صلاة وصيام فحسب، خالقنا يريدنا متحابين لا صوامين قوانين متقاطعين ، لاتكن مفتاح شر وفرقة بين الناس بل كن مفتاح تأليف للقلوب.. لاتنقل الكلام بين الناس تفريقا وإن سمعت ، الله الله بالكلمة الطيبة وجمع شمل المسلمين وخاصة أفراد عائلتك وتذكر أن الدنيا لاتحتمل كل هذا التشاحن الذي ينفث بناره الشيطان بين الأقارب و الأخلاء.

نسأل الله لألسنتنا الخير من الكلام في مجالات المعروف بعيدا عن الهذر وسوء الحديث.

Related Articles

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back to top button