في كل مكان أذهب إليه، يسأل الناس: ما هي حكاية المواجهة مع إيران؟ هل أمريكا جادة هذه المرة؟ هل يناور الملالي كالعادة؟ أم يسعون فعلًا إلى حرب مدمرة؟
الناس قلقون. ليست الحرب أمرًا نطمح إليه، فقد كان لمنطقتنا نصيبها الكافي من الحروب. خاضت إيران والعراق معاركًا أستمرت ثماني سنوات 1980-1988. ثم جاء الاحتلال العراقي للكويت لأكثر من عام (1990-1991). وأخيرًا، كان علينا مواجهة الغزو الأمريكي للعراق للإطاحة بنظام صدام بحجة امتلاكه أسلحة دمار شامل. ناهيك عن الحرب في اليمن وسوريا التي بادرت بها إيران وعملائها.
خلال هذه الحروب، قتل وجرح الملايين وخسرت المنطقة مئات مليارات الدولارات، وضاعت عليها فرص هائلة للتنمية والاستثمار. لذلك أتفهم قلق الناس من نزاع جديد مع دولة صاروخية نووية مارقة مثل إيران.
أقول لهم ماعليكم من العنتريات فإيران نمر من ورق. معداتهم الحربية عمرها نصف قرن، ودفاعاتهم الجوية غير قادرة على الوقوف بوجه أقوى آلة عسكرية العسكرية عرفها العالم. نحن نعرف ذلك … وهم يعرفون.
كما أنهم يعلمون أيضًا أنهم بلا حلفاء. فروسيا لن تساعدهم، بدليل أنها سمحت لأكثر من 200 غارة جوية إسرائيلية ضد القوات الإيرانية في سوريا خلال العامين الماضيين، لأنهم يريدون خروجها ومليشياتها بعد أن أدت دورها في تثبيت حكم الأسد. وروسيا هي آخر بلد في العالم يرغب في صراع عسكري مع أمريكا. الصين أكثر من ذلك. وتركيا عضو في الناتو. فيما وقف العراق على الهامش وتوقف عن التجارة مع إيران. حتى قطر، بعد كل بيانات الدعم للجمهورية الإسلامية، سمحت باستخدام أرضها كقاعدة انطلاق لأي معركة قادمة.
بالإضافة إلى ذلك، لا يمكن لخزانة إيران تحمل حرب أخرى. العقوبات الاقتصادية الأمريكية قامت بالفعل بتجويع الوحش. إضافة إلى سوء إدارة الاقتصاد الإيراني من قبل الملالي والسياسيين والحرس الثوري على مدى العقود الماضية. فقد أنفقوا عشرات المليارات على ميليشياتهم في لبنان وسوريا والعراق وأفغانستان واليمن، إضافة إلى مغامراتهم العسكرية في العراق وسوريا. لقد وصل الحال بما يسمى “اقتصاد المقاومة” إلى درجة أن ثلث السكان يعيشون تحت خط الفقر، وفيما يهدر المال العام في عشرات البلدان تعجز الدولة عن توفير المأوى والغذاء والدواء لضحايا الكوارث الطبيعية، وتقبل المساعدات من المليشيات والجمعيات الخيرية العراقية واللبنانية، وحتى من خصومها، السعودية والإمارات.
لكل الأسباب أعلاه، لا أعتقد أن إيران تجرؤ على استثارة رد فعل عسكري أمريكي. ليس بعد أن رأوا الفرق الصارخ بين جبن أوباما وجبروت ترامب. انتهت الأيام التي تمكنوا فيها من خطف مشاة البحرية الأمريكية وإذلالهم أمام كاميرات التلفزيون، فيعتذر الرئيس الأمريكي لهم، ويرسل فدية مليارات الدولارات نقدًا لإطلاق سراحهم.
ومع هذا فالأجواء المتأزمة تجعل من أي حماقة شرارة قد تشعل فتيل الحرب. فقد تستخدم إيران ميليشياتها في العراق؛ لاختطاف دبلوماسي أمريكي أو مهاجمة قاعدة عسكرية أمريكية. أو قد يقوم الحرس الثوري بعملية في مضيق هرمز، أو كما حدث في اليومين الماضيين، يستخدم مرتزقته وعبيده العرب في مهاجمة سفن أو مواقع نفطية. وفي المقابل سيكون الرد الأمريكي سريعًا، من خلال القاذفات أو صواريخ كروز الموجهة لتوجيه رسالة صارمة لطهران. وقد ترد إيران بوابل من الصواريخ البالستية والأرضية والبحرية باتجاه القواعد الأمريكية وسفن الحرب، وهناك ستنفتح أبواب الجحيم على مصراعيها.
هل هذا سيناريو بعيد الاحتمال؟ نعم، لكن كل شيء ممكن، وللذكرى، ففي 18 أبريل 1988، شنت البحرية الأمريكية معركة ليوم واحد ضد القوات الإيرانية داخل وحول مضيق هرمز. بدأت المعركة، التي أطلق عليها اسم ”عملية فرس النبي”، ردًا على تضرر البارجة الأمريكية صمويل ب. روبرتس من لغم زرعته إيران في 14 أبريل. أغرقت القوات الأمريكية لإيران فرقاطة، وزورق حربي، وما يصل إلى ستة زوارق سريعة مسلحة، فضلًا عن إلحاق أضرار بالغة بفرقاطة ثانية. وقُتل خلال الهجوم حوالي 550 من أفراد الحرس الثوري.
يبدو أن الملالي في طهران لم يدركوا بعد أن هناك قيادة جديدة في واشنطن. ومع كل التغييرات في البيت الأبيض، لا يزال بعض قادة إيران يختبرون العزيمة الأمريكية، يشجعهم في ذلك ضعف المواقف الأوروبية والروسية.
كما يبدو أنهم غير قادرين على التعلم من الحسابات الخاطئة. فقبل بضعة أشهر، هددت إيران الولايات المتحدة وجيرانها والعالم بإغلاق مضيق هرمز، ردت الولايات المتحدة بصرامة، فتراجع الملالي. يتخذ الرئيس روحاني موقفًا عدوانيًا، ويؤيده في ذلك قادة الجيش ويعلنون استعدادهم لتحويل الكلمات إلى أفعال. ثم، وبسرعة الضوء، يوضح مكتبه أنه لا يعني ما يقوله، ويقول ما لا يعنيه! ومع ذلك تصر قيادات الحرس على موقفها المخالف! هذا هو الأسلوب الإيراني – تهديدات فارغة وتناقضات، عمليات مستترة واستغلال للمرتزقة.
مثل إيران لا يفهم إلا لغة القوة. إذا شعروا بضعف الخصم تقدموا، وإذا تراجع هاجموا. ولكن إذا واجهوا قوة رادعة صامدة … فإنهم يتراجعون!