شقشقات
هاهنا معظم الحالات التي يعيش عليها الناس في رمضان، ولا شك أن البعض قد يعيش حالة أو أكثر، لكنها لاتعني إلا أولئك الذين قضوا معظم وقتهم في رمضان في تلك الحالة، وهي لا تتطرق للصيام، لأن الناس -غير ذوي الأعذار- كلهم صائمون، وقد أكون أغفلت بعض الحالات أو نسيتها، وهي لاتعبّر بالضرورة عن رأيي، بل عن أصحاب الحالات.
فبعضهم له في كل سوق أثر، يعرف عنها كل خبر، ويعرف العروض والتخفيضات (الكبرى) والهائلة، ويقضي فيها كل ليله وسحابة نهاره !
وأما ليالي الأُنس والطرب فلا تحلو عند البعض إلا في هذا الشهر، لأن رمضان في نظرهم هو شهر “الفن الأصيل” والموّالات الرمضانية والشعبية !
وأما البعض فتجده يهتم بكلّ مالذّ و طاب للأهل والأحباب والأصحاب، فيموّل المنزل بكل أصناف الأطعمة والأشربة، وكأنه داخل إلى خندق حرب، أو جبهة قتال !
وبعضهم له في “ألعاب الشبكة” ساحات حرب ونزال، طيلة الليل والنهار، وهي “الحرب الحقيقة” التي يخوضها الشباب على الأعداء، أليس لهم في الرعيل الأول -الذين كانوا يقضون رمضان في الحروب- قدوة حسنة ؟!
وأما “الفراغ كبير” و “الشهر طويل” فللبعض في “الشبكة العنكبوتية” خير أنيس، فلا منتدى أو “قروب” يترُك، ولا موقعا ينسى، ولارسالة يغفل، ويصبح هو “عنكبوتا” بحد ذاته في تلك الشبكة !
وأما “جمْعات الجيران” فلا تحلو الليالي إلا بها، وقد تمتد من بعد العشاء وحتى الفجر، ولا بأس أن يتخللها حديث من هنا وهناك عن الجيران الباقين وأخبارهم، وماذا فعل “فلان وعلاّن”، وماذا قالت “فلانة وعلاّنة”، بعيدا طبعا عن إطار الغيبة والنميمة، فهذا “انتقاد” فقط لبعض التصرفات، وفي النهاية يقرأ أحدهم “كفارة المجلس” أو “بعض العظات” !
ويحضرني عنا “حفلات الإفطار”، خاصة في السفارات والقنصليات، وسائر الجمعيات، فرمضان مظهر من مظاهر الترف والرقي، للطبقات المخملية، وكذلك للطبقات “البساطيه”، فلا أحد أحسن من أحد !
وبما أن رمضان هو شهر “السُفر” فهو كذلك عند البعض هو شهر “السفَر”، انطلاقا من الآية (… ومن كان مريضا أو على سفرٍ فعدّةٌ من أيّامٍ أُخر…)، فيريد أن يعرف ماالذي يدور في العالم، وفي “العالم الإسلامي” تحديدا، وفي رمضان بالذات، حيث يودّ تفقّد أحوالهم، وطريقة عيشهم وحياتهم !
وأما الفوازير والمسابقات والمنافسات، فالبعض يعرفها في كل القنوات والصحف والمجلاّت، وهو ضيف دائم للشاشات، ولم يعود عليه منها حتى بتكلفة الاتصالات !
وأما “القهاوي الشعبية” فللبعض يحلو فيها السمر، ويطيب في “جنباتها” السّهر، لاسيما إذا أضيف إليها معارك البلوت الحاسمة، وتكحيل النظر “بالشيش” القائمة، ودخانها كالضباب في ليلة غائمة !
وللبعض “حياة” في تنظيم “دوريات الحواري”، والمباريات الرياضية “الحَوارية” ، والتي يشّرفها في النهاية “وجيه” أو “مسؤول كبير” لتسليم “كأس” البطولة عبر المنصات، والتقاط “الفلاشات” !
وللبعض شغف كبير بالأفلام والمسلسلات والمسرحيات، وما الذي صنعه البطل الفلاني، وماذا حدث للبطلة الفلانية، وهل تزوج الحبيب بمن يحب؟!، أم اعترض “حزب المعارضة” يتزعّمه الأب؟!، وماذا حلّ بالعربان، وعلى أي شاطئ رست سفينة القبطان ؟!
وأما “الموضات” بكافة ألوانها وأنواعها وأشكالها وأحجامها وهيئاتها وأسعارها، فهي “عشق” البعض، فالعيد قادمٌ، ولا بدّ أن يستعد مبكّرا لكل “مفاجيء” وجديد، ليصبح “نجم” العيد !
ولأن الصيام في النهار متعب جدا وطويل، فلا بأس أن “يقضي” بعضهم على ذلك التعب بالنوم الطويل، وانتظار مالذ وطاب على مائدة الإفطار، وإن المغرب لناظره -النائم- لقريب !
***
لاشك أن كل واحد أدرى بالحالة التي يعيشها خلال رمضان، وهو أكثر توقّعا مني بنوعية “جائزته” التي سينالها.
نسأل الله للجميع قبول الصيام والقيام وصالح الأعمال، وأن يكونوا من أصحاب الحالات التي يرتضيها الله سبحانه وتعالى لنا، ومن أصحاب الجوائز الكبرى والعطايا الجزلى من الرحمن، ولنتذكّر دائما أن العبرة بالخواتيم.