ومضات الوهج
الومضة الحادية عشرة
داوود وسليمان.. داوود الأب هو ملك و نبي من بني إسرائيل يصل نسبه إلى إسحاق بن إبراهيم وكان حكيما شاعرا جميل الصوت عذب الترنيم منحه الله من الخيرات و النعم مالم يمنحها سواه وكان عابدا تقيا عادلا، وخصه الله بعدد من المميزات لم تحدث لغيره فقد ألان الله له الحديد وجعله يصنع الدروع للقتال بشكل احترافي حيث أنها كانت مجرد صفائح من قبل،وكان يترنم بصوت عذب جميل بأجزاء من التوراة وبأناشيد و تسابيح حتى أن الطيور في السماء تتوقف عن الطيران و تقف على الأغصان وتسبح معه و تتمتع بسحر صوته الجميل ودلالة على عذوبة صوته شهادة رسول الله لأبي موسى الأشعري حين سمعه يتلو القرآن بصوت جميل فامتدحه بقوله :لقد أوتيت مزمارا من مزامير داوود.
أما سليمان فقد ورث النبوة و الملك من أبيه عليهما السلام وخصه الله بعدد من المعجزات والنعم والمميزات لم تحدث لإنسي قبله و لابعده، فعلى المستوى الشخصي كان بارع الذكاء، حكيما، فطنا، قائدا ، بل كان أنيقا لايلبس إلا الأبيض، ورزقه الله منطق الطير وفهم لغات الدواب وسخر له الإنس والجن، وكان الجن يعملون له بلا كلل يغوصون لجلب درر البحار ويبنون ويشيدون و يصنعون مالا يصنعه البشر وقد بنوا البناء المقدس في بيت المقدس، وظلوا يعملون سنة كاملة بعد موته وهم لا يدركون ذلك إلا حين سقط كون عصاه قد أكلتها دودة الأرض، وكان لديه بساط عظيم من خشب عليه ستمائة ألف كرسي ينقله هو ومن معه من إنس وجان وقصور ومعدات فيأمر الريح فتجري من تحته وتحمله – كسندباد في الأساطير- حيثما يريد وترجعه إلى الشام، ولكن ذلك لم يكن أسطورة كسندباد بل حقيقة بقدرة الله وفضله.
في الآية ٧٨ من سورة الانبياء يقول تعالى (وداود وسليمان إذ يحكمان في الحرث إذ نفشت فيه غنم القوم وكنا لحكمهم شاهدين) حيث دخل رجلان على داود أحدهما صاحب بستان كرم وعناقيده تتدلى والآخر صاحب غنم حيث دخلت هذه الأغنام ليلا إلى البستان ورعت وأكلت وأفسدت البستان والعنب فجاء صاحبه يختصم لدى داود، فحكم داود لصاحب الحرث أي البستان أن يأخذ الغنم وتصير له، ثم كان أن خرجا فاستقبلهما سليمان وعلم بحكم أبيه فذهب واستأذنه أن يطرح حكمه وكان مغايرا لحكم أبيه بأن تعطى الغنم لصاحب الحرث فيستفيد من لبنها وأوبارها و نتاجها إلى أن يستعيد البستان عافيته ويعود كما كان وصاحب الغنم يعمل غنمه في الكرم أو البستان فيفيد ويستفيد ثم يستعيد غنمه بعد انقضاء الحاجة.
فأخذ داود بحكم ابنه ونفذه، ويقال كان عمر الابن حوالي الحادية عشرة إلى الثالثة عشرة، أي عبقرية وأي فطنة أوتيت يا نبي الله سليمان.
لطائف مستفادة:-
١– من أدب القرآن أن قال تعالى(ففهمناها سليمان وكلا آتينا حكما وعلما) فالأب والابن حكيمان لكن شاء الله أن يبرع سليمان في ذاك الحكم وفي أمور أخرى كثيرة ولله النعم يهبها من يشاء.
٢– أنظر أي بني-يامن تصرخ على أبويك بحجة أنهما جاهلين وأنت المتعلم – أنظر إلى أدب الابن مع أبيه، لم يتشدق بعبقريته بل تحدث بتهذيب الواثق الراقي.
٣– على الآباء والأمهات أن يستمعوا لآراء الأبناء، ويحاورونهم ويشركونهم في صنع القرارات فهم أشخاص مستقلون أذكياء وإن كانوا قليلي الخبرة.
رب احفظ ذريتنا بحفظك، واصلح دينهم ودنياهم.