ومضات الوهج
الومضة ١٣
ثلاثمائة وتسعة عشر فحسب، هو عدد المسلمين في يوم بدر، مقابل ألف من المشركين، موقعة هي الأولى في التاريخ الإسلامي، فيصل بين الحق و الباطل، المواجهة الأولى التي محصت قلوب المؤمنين وأظهرت المخلص و المنافق، وفرقت بين المبادر و المتخاذل، مواجهة لاتكافؤ فيها بمعايير القوى الدنيوية ولا تناسب، عسكريا مشركو قريش هم الأقوى و الأكثر والأعظم تمكنا وخبرة،
والمكان هو بدر – ماء أو بئر بين مكة والمدينة- كان الصيام قد فرض والراجح أن المسلمين قد أفطروا يومي بدر و الفتح حيث كانا في رمضان كما ورد في قول عن عمر بن الخطاب لأن الفطر أعون لهم على الجهاد، يوم السابع عشر من رمضان حيث جاء ليله منارا بقمر غير مكتمل والمكان هو بدر، ليلة شحن فيها المسلمون كامل طاقتهم الإيمانية و الروحية لمواجهة من حادوا الله و رسوله، سور كثيرة في القرآن ذكرت هذه المواجهة كالأنفال و آل عمران ، ورسول الله يلح على ربه في الدعاء ويلح حتى سقط رداءه عن منكبيه فجاء صديقه الصديق ووضع عليه رداءه والتزمه من ورائه وطمأن نبينا بأن الله سينصره وكانت الآيات قد نزلت قبلها في سورة القمر تنبئ بهزيمة المشركين (سيهزم الجمع ويولون الدبر)
وكان ابن الخطاب يتساءل :أي جمع سيهزم؟؟ فكان يوم بدر ورسول الله يثب في الدرع ويقرأ الآية فهذا وعد الله الذي لا يرد.
لا أجمل في تاريخ الغزوات من هذه الغزوة، حيث أمن الله جنده من المسلمين بأكثر من ضمان وكيفية، فالنعاس قد غلبهم أمنا و اطمئنانا والمطر ينزل عليهم بقطرات جميلة لغسل وساوس الشيطان وليذهب عنهم كل خبث، بل حتى الأرض صارت متماسكة بطينها بعد نزول المطر ليثبت به الأقدام، والملائكة هم الجيش الإضافي الذي جاء يردف بعضه بعضا ليبعث البشر في قلوب المؤمنين وليربط على قلوبهم، ألف من الملائكة يطمنئهم الله أني معكم، مهمتكم أن تثبتوا المؤمنين وتثبتوا قلوبهم، وعلى النقيض فالله سيبث الرعب في قلوب المشركين، الكفتان هنا ليستا متكافئتين، كفة معها الملائكة والطمأنينة والمطر والنعاس والثبات والسكينة وكفة معها ألف مقاتل و.. حسب.
أي فرق في القوى والجأش، تلك كانت المعايير التي نصرت المسلمين ببدر مع أن المنطق الدنيوي يقرر العكس، ذلك هو السبب الذي جعل الضعف قوة وحول الهزيمة نصرا.
بدر و ما أدراك مابدر، دروس وعبر، في كل عصر قد يقف المسلمون في موقعة تخاذل وانهزام مع الشر والكفر والفسق لكن من أراد النصر فليتبع هدي رسول الله، الصدق وبذل النفس وإخلاص الغاية لله و الاستعانة به وتكثيف الدعاء، وبهذا تنتصر لا بطائرات الأباتشي وحدها ولا بمدافع الهاون.
حتى على المستوى الفردي، إن كنت في موقف ضعف وذل و أمامك عدو قوي أو خصم جائر وأنت على حق، فلا تخف فالله ناصرك إن دعوت وتوكلت وصدقت وألححت بطلب العون والطمأنينة والرضا والثبات وجند من عند الله يعينوك، ثم اتخذ الأسباب، هذه هي معادلة النصر التي قننها يوم بدر.
ربِ صل على حبيبك الذي حارب ببدر وانتصر وارض عن صحبه الذين بذلوا النفس وصدقوه وامنحنا نصرا كنصرهم وأمنة وثباتا في سائر دروب حياتنا..