شقشقات ١٧
تحل علينا اليوم أعظم ذكرى في التاريخ الإسلامي، فما هي مشاعرنا تجاهها ؟!
لقد تميّزتْ اسماً، كما تميّزتْ مكانةً ومكانا، وأصبحت كبدر السماء، لكننا لانسمع عنها أو نراها مثله كلّ شهر !
هي تطلّ علينا كل عام، قيلت وستُقال فيها كلماتٌ وكلماتٌ وكلمات، وسيشارك في تأبينها مئات القنوات، سيساهم في بعث ذكراها آلاف المقالات، وستُدبَج في التغنُي بأمجادها مئات القصائد وآلاف الأبيات.
ومع حبَنا لذكر الأمجاد الماضية دائما، ليتنا نحبّ معها انتهاجها وسلوكها، ليتنا نستشعر قيمتها سلوكا وعملا، بدل التغنّي بسالف الأمجاد، في وقتٍ لم يعد حتّى للبدر في سماء الأمة وهج سناء !
أسماها الله “الفرقان”، يوم التقى الجمعان، فريق الحق ذو القلّة المستضعفة ظاهرا، والقوّة المتينة بالحق باطنا، أمام فريق الباطل ذي الكثرة المتجبّرة ظاهرا، والقوّة المرتعدة باطنا.
شارك في المعركة ألفا من الملائكة مردفين، جنبا إلى جنب مع فريق الحق الذين كانوا قبل فترة مستضعفين خائفين داخل بلدهم المقدّسة، وهاهم يضربون فوق الأعناق، ويضربون من المشركين كلّ بنان، مع جبريل عليه السلام وصحبه من الملائكة المردفين المختارين الأخيار…
وكما أخرج الله نبي الهدى عليه الصلاة والسلام من بيته بالحق، وكرِه فريقٌ من المؤمنين ذلك، وأخذوا يجادلون في الحقّ بعد ما تبيّن كأنما يُساقون إلى الموت وهم ينظرون، لكنّ الله سبحانه يحقّ الحقّ ويبطل الباطل ولو كره المجرمون .
****
إيه يا بدر !
وماذا بعد؟!
ليت لنا بدريا واحدا، يتمثّل بأخلاق أولئك البدريين العظماء الذين خلّدهم القرآن والتاريخ إلى يوم البعث، واستقبلتهم أبواب السماء والجنان بفرح غامر، لأنهم جيل لن يتكرر أبدا، أبداً !
إيه يا بدر !
حين ترحلين وتتركين لنا ذكراكِ، وكلَما تشير ورقة (التاريخ) إلى السابع عشر من رمضان من كلّ عام، حيث تستنطقين منّا الدموع، وتحركّين فينا كلّ أسى موجوع، تصبح ذكراكِ آلاما، تطعن في آمالنا، كلّما هممنا بالرجوع !
إيه يابدر !
وأنّى لمثلي أن يكتب فيك بعدُ حرفاً واحدا، قد ألجمتْ مشاعري وعواطفي وعقلي وأحرفي وكلماتي وعباراتي أشباحُ الصمت المطبِق الأشدَ حزنا من الحزن ذاته !
إيه يا بدر !
نلتقي في عام قادم، بإذن الله، في الشهر التاسع، وفي اليوم السابع عشر تحديدا، لنرى ماذا يمكن أن يكون قد قيل فيكِ من جديد !
*******