يعتقد بعض العرب أن سقوط حكم ملالي إيران، وإنهاء دولتهم الثيولوجية، ومبدأهم في تصدير الثورة إلى دول الجوار العربية سينهي حالة العداء الإيراني – العربي، وأنه سيحل الكثير من مشكلات المنطقة. هذه النظرة برأيي مضللة وقاصرة إلى حدٍ كبير؛ فالفرس تاريخيًا يحتقرون العرب قبل وبعد حكم الملالي، وهذه الكراهية متجذرة في وجدانهم ومخيالهم الشعبي والرسمي منذ أيام الشاه وقبله.
الفرس لا ينسون التاريخ بدءًا من سيطرتهم على عرب المناذرة في الجاهلية وحرب ذي قار، ثم سقوط حكم كسرى ملك الفرس زمن دولة الخلفاء الراشدين، مرورًا بقيام الدولة الصفوية ثم العداء مع العثمانيين على أسس مذهبية. الدولة الصفوية كما يخبرنا التاريخ شيّعت معظم سكان إيران حتى لايكونوا على دين العرب؛ فالنسخة العربية للإسلام في مفهوم الفرس مشوهة ولا تناسب الفرس الأكثر تحضرًا ومدنية.
ولشدة كراهيتهم للعرب؛ فإنهم في العصر الحديث وبتواطؤ بريطاني ضموا إمارة الأحواز العربية (١٩٢٥)؛ لتصبح جزءًا من إيران؛ بحيث لم يعد للعرب وجود سياسي يذكر فيها عدا الإشارة إليهم كأقلية عرقية ضمن أقليات أخرى كالبلوش والأذريين والأكراد. لدى الفرس صورة منتفخة لأنفسهم كأهل حضارة سادت، ثم بادت يرونها عريقة وضاربة في التاريخ؛ فقد احتلوا نصف العالم القديم بما في ذلك جنوب الجزيرة العربية، ما قد يفسر لنا جزئيًا اهتمامهم الحديث باليمن كبوابة إلى شرق أفريقيا ولاسيما أن اليمن تشرف على مضيق باب المندب وأهمية السيطرة عليه بأي صورة، وغالبًا من خلال “حماية التشيع” وسيلة الفرس التي يدغدغون بها دهماء العرب وغيرهم.
ومن أجل ذلك يوظفون “المظلومية الشيعية” فهي دائمًا حاضرة كذريعة لدغدغة المشاعر والعاطفة الدينية الجيّاشة عند العرب.
صورة العربي في المخيلة الفارسية هي أنه “قذر” و”همجي” وغير متحضر؛ فهو يأكل الضب ويشرب بول الإبل، وهم يعيدون إنتاج هذه الصور بعدة وسائل لتكريس مقولة إن العرب متخلفون حضاريًا. تحليل محتوى بسيط لكتبهم المدرسية قام به باحث عربي، كشف عن هذه الصور النمطية، وأنهم يكرسونها في وسائل إعلامهم وأدبياتهم.
تضليل آخر يقع فيه العرب أو جزء كبير منهم، ويرددونه دائمًا في تحليلاتهم وهو القول إن إيران على وفاق تام مع الولايات المتحدة وإسرائيل وأن الثلاثة يعملون في الخفاء ضد العرب، وأن ما نراه من حالة عداء ظاهر هو من باب ذر الرماد في العيون.
الواقع يقول إن إيران وإسرائيل تتنافسان على مد النفوذ في المنطقة، وأن لدى الإسرائيليين هلعًا من قوة إيران وخوفًا أن تصبح قوة نووية تنافس إسرائيل مستقبلًا في الشرق الأوسط. ماتقوم به الولايات المتحدة هو محاولة للجم هذا الطموح الإيراني حماية لإسرائيل بالطبع، دون رغبة في تقليم أظافر إيران عسكريًا بسبب صعوبة ذلك في منطقة حساسة من العالم “كمحطة وقود” قد تشتعل في أي لحظة، وتشعل معها العالم.
وما كتبه تريتا بارسي (صاحب كتاب التحالف الغادر)، وهو إيراني الأصل سويدي الجنسية عن وجود تعاون وثيق وتفاهم إيراني- إسرائيلي – أمريكي هو مجرد حيلة أخرى؛ لتضليل العرب والقول إنكم في الزاوية الضيقة بهدف كسر معنوياتهم وشوكتهم.
والكتاب يكشف عن ذلك وأن بطرق غير مباشرة، فبارسي في النهاية يعمل من أجل بلده الأصلي إيران أو شعب إيران كما يقول وليس ملاليه، ويريد بذلك بث اليأس في قلوب العرب وغيرهم حماية لبلده.
الولايات المتحدة تعادي إيران من باب المنافسة، لكنها غير مستعدة في الوقت الحاضر لمجابهتها عسكريًا؛ لأن هذه المجابهة ستكون باهظة الثمن عسكريًا وماليًا. رغم كل ذلك فما ستقوم به الولايات المتحدة في نهاية الأمر هو منع إيران من الحصول على قوة نووية، وهذا ما صرحوا به بوضوح في الفترة الأخيرة، وفي ذات الوقت ابتزاز العرب وبقاء فزاعة إيران؛ لتصريف وبيع السلاح الأمريكي للعرب. خلق عدوًا للعرب مسألة وظيفية ومفيدة للولايات المتحدة وليس هناك أفضل من إيران؛ للقيام بهذه المهمة رغم الكراهية الشديدة التي يكنها الأمريكان لإيران.