لم أحزن قط على فراقك لكنها الخشية من التقصير في حقك فمنذ أن وعيت المعاني النبيلة من الصوم واللوم يلازمني في كل يوم من أيامك الثلاثين فما فات لن يعود كذلك ، وكل دقيقة انقضت ستكون شاهداً لي أو عليّ.
يا أجمل الشهور! روعتك ليست أمرا خفياً تتحير فيه العقول، لأن مَكمن سرّها في جملة من الأعمال والأقوال الطيبة التي نقوم بها سرّاً وعلانية الكل يبذل منها بقدر استطاعته يقدمها لله طوعاً بنفس راضية وقلب وجل خشية أن تُرد وعندما ينتابه هذا الخوف يُقدّم عملاً آخر راجياً أن يكون خيراً مما قدم فتتالى الأعمال الصالحة وهنا تتحقق راحة النفس وهدوء البال في رمضان فتمر أيامه ولياليه نقية ونورانية يشعر معها العبد أنها مرّت مرور السيف البتار الذي يسطع نصله كالبرق في حالك الظلام.
كنت طفلة صغيرة وكنت اسمع جدتي تقول عن شهر رمضان عندما يشارف قمره على الغياب أنه أقصر الشهور لأنه يمرّ بسرعة ويغادر قبل أن تشبع منه النفس، وكان هذا الكلام يتردد على ألسنة بعض الكبار الذين من حولي وكنت من السذاجة إلى الحدّ الذي كنت أعد أيامه يوماً بعد يوم فلا أجد اختلافاً بينه وبين شهور السنة وأكرر هذا العمل كلّ سنة ولكن بعد أن كبرت ونلت من رمضان ما يناله الصائمون من لذة المنع وتحريّ أوجه العطاء في القول والعمل أدركت سرّ كلام جدتي وعلِمت أنّني لو عشت كلّ أشهر السنة كما أعيش رمضان فأقمع نفسي الأمارة بالسوء كلما زينتْ لي عملاً وأتحرى الخير في أقوالي وأفعالي كما أفعل في رمضان طمعاً في نَيْل رضا الرحمن، ولو بقيت أتحسّس من أين يأتي رضاه والغضب والعطاء والمنع لقضيت العمر كلّه وكأني في رمضان.
إنّ رمضان لا يختلف عن أشهر العام فهو عدد من الساعات لا تزيد ولا تقلّ عنها، ليله مظلم لا تطرأ عليه معجزة فينشر ضياء ولا نهاره برد ونعيم ولكنّها النّفس إذا انقادت لخالقها مذعنة والروح إذا رويّت من منبعها فحلّقت والقلب إذا ما استراح للخير فأعطي مراده فهذا هو رمضان.
وكما أن للعقل وقفة فلسفية فللقلب وقفة سنيّة حدثني بها فقال: يقول ربك جلّ جلاله:” كلّ عمل ابن آدم له إلا الصوم فإنّه لي وأنا أجزي به”. فما دام لك يا ربي فلن يتسلل إليّ شكٌ بأنّ ما تجزي به خيراً لي من كلّ أعمالي وهو مناط أملي ورجائي فياربُ هبْ لي بهذا الإحساس والفهم من رحمتك ما أنال به رضاك ونعيم النظر إلى وجهك الذي أشرقت له الظلمات.
كلام يبعث على الفرح والحزن في آنٍ معاً فرح ان بلَّغنا الله هذا الشهر الكريم وحزن على فراقه فاللهم اعده علينا اعواماً عديدة وساعات مديدة وتقبله منا وانت راضٍ عنا شكراً لابداعك اختي اسماء وسلمت اناملك?