عبدالرحمن الأحمدي

نوافذ مؤقتة ..!

أتلمس جوانب الحياة،وأتفكر في وقائع الأحوال، وأراجع تأملات الفكر، واسترجع ذكريات النفس . وأعود وأتذكر حياة أسرتي التي كانت مصدر دنياي بمفرداتها ، بمحتوياتها الجميلة. بكل الآمها، وآمالها. فاستعيد ذكرى مكونات أسرتي الحبيبة عميدها أبي الغالي، وعمادها أمي العزيزة، وأعضاؤها أخواني، وأخواتي. وذلك المنزل الصغير الدافئ الذي كان يحوينا جميعاً. المحدود المساحة. المحدود الحجرات. وذلك الجار الطيب المقابل لمنزلنا. إلى بقية الجيران الطيبين..في تلك الحارة البسيطة إمكانياتها، والمعروفة أماكنها، وروادها الأفاضل، ومرتاديها الأكارم .

واستعيد ذاكرتي قليلا حين كنت أتأمل كل ما يدور حول حياتي في حينها من تلك النافذة الصغيرة، والتي أقف ولا أتجاوز حلقاتها الضيقة. فكأن كل تفاصيل حياتي تبدأ من تلك النافذة الخشبية. فتأتي عيني مباشرة على ذلك العجوز الوقور حين يقلب مؤشر المذياع بيد مرتعشة متواصلة؛ ليجد الموقع المناسب عبر الموجات الصوتية ؛ لاهتماماته القديمة، ويطلع على أحوال العالم المضطرب، وأخباره المتناثرة المتنوعة. هنا حرب قائمة، وهنا انهيار مبنى، وهناك اختطاف طائرة، وهنالك تفجير آثم. وأتحسسه يتمتم بشفتيه حسبي الله على اليهود .!! وتمر على مسامعه مع تبديل المحطات مقطوعة غنائية عابرة ” إنت فين والحب فين ؟ ” فيتبسم ابتسامة لطيفة فكأنه تذكر شيء ما ..! ثم مايلبث ويحدث نفسه أعوذ بالله من إبليس ..!! حتى يختم بسماع آيات من القرآن الكريم؛ ليريح قلبه وفكره من كل العناء المتعب، ثم أشاهده وهو يغط في سبات عميق فكأن تلك الآيات غشته تماما براحة عظيمة ؛ ليبتعد عن منغصات الحياة ولو مؤقتا ..!!

وأجول بنظري مرة أخرى إلى مكان آخر في الحارة العتيقة فأرى ذلك الجار يصلح مركبته المتهالكة والتي تطلبه الرحيل العاجل بشدة؛ لعطل جديد داهم مفاصلها ومع تجمع خبراء الحارة من حوله؛ حتى يصل في نهاية المطاف لمراده فيبارك من معه نجاح جهده وبلوغه غايته الفنية. وفي جهة أخري أرى ذلك الشاب المكافح داخل حدود داره وقد افترش الأرض الملحقة وبدأ يستذكر دروسه ويثابر؛ ليكتب بعض ملامح مستقبله. وذلك المثقف المحترم يمشي صوب داره بخطوات متوازنة متأنية، وبأنفاس متثاقلة ولسان حاله .. قول المتنبي .. ” ذو العقل يشقى في النعيم بعقله .. “. إلى إمام المسجد المحب المتسامح . إلى العمدة كبير الحارة .. صاحب الشخصية القوية، والسطوة الجبارة، إلى الملعب الضيق جدا حاليا..!! بعد أن كان ملعب رحيب يشارك فيه شباب الحارة جميعا .
إلى اللقطات المرحة العابرة وهي أشبه بمسرحية على الهواء مباشرة بين أصحاب الفكاهة والمرح في الحارة، وغيرها من الأحداث المتوالية في حارتنا العامرة،والتي هجرت كما هجرت الكثيرمن الحارات المكية العتيقة.

والآن وبعد كل هذه السنين الحلوة..حصل مايجب أن يحصل حل الفراق اللازم فالأب والأم أصبحا في آخر العمر. فقد أديا ماعليهما من رعاية، وتضحية، واهتمام..والأخ أصبح هو العائل لتلك الأسرة الجديدة، وهو الأب القائم وكبير عائلته . والأخت أصبحت هي تلك الأم العظيمة في أسرتها.وكل شخص في شأنه، ومسؤولياته.وأتسآل كيف وقائع حياة أبي وأمي بعد كل هذا العمر المديد؟ وما جديد أخبار أخواني، وأخواتي ..؟ حارتنا القديمة هل بقيت على حالها ..؟ وما أخبار نافذتي الصغيرة أهي باقية ..؟ أم أزيلت مع الإزالات الغاشمة..!!فكل هذه الدنياارتفاعات مؤقتة فقط ! ونفسي تعود مجددا ؛ لتحدثني بيقين ثابت هذه هي الحقيقة الواضحة للتغير الحتمي للأسرة السعيدة.. فدوام الحال من المحال فكل حي يمضي في سبيله حيث قدر له في هذه الحياة الدنيا وسبحان الدائم .

Related Articles

2 Comments

  1. سلمت أناملك ابا محمد فعلا اخذتنا الذكريات وهذا حالنا اسال حسن الختام

  2. دائما مسقط رأس الانسان وأول ذكرياته في طفولته لايمكن أن ينساها مهما وصل من علم ومن ثراء فاحش …يظل دائما يتذكر كل ايامه الجميلة بكل بساطتها ومتاعبها

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back to top button