من حق كل إنسان أن يبحث عن الثقافة وبوادر المعرفة، وهذا بالطبع حق مشروع ومحمود، ورافد مهم من روافد التنمية الحضارية والرؤية المستقبلية للتقدم المجتمعي، فالثقافة والمعرفة يثريان بلا شك على الفرد فيما ينعكس هذا الثراء حتمًا على صورة المجتمع وشكله من الخارج.
‘‘الثقافة والمعرفة سبب رئيسي في إدراك المجتمع لما حوله من مقتضيات العصر وأساسيات الحياة المختلفة، لكن هل للثقافة معايير راسخة، وأسس محدودة، وإطار ثابت؟ إذا توافرت في إنسان ما نطلق عليه لقب مثقف‘‘.
لأن البعض يتهافت؛ كي يصبح مثقفًا فيرتقي أكثر ليصبح من نُخبة المجتمع، مما انعكس هذا على الكثير من الناس فأصبحوا يجسدون الثقافة على هيئة البعض من هؤلاء النُخبة، فإذا أساء هذا النخبوي الحوار والنقاش، غدت الثقافة بلا جدوى ونقمة على صاحبها والمجتمع، وإن أحسن الحوار والنقاش فإنها تكون نعمة على المجتمع والفرد؛ بمعنى أدق تبلورت الثقافة في آراء أشخاص، وليست بالمنظور العام.
بعضُ من المثقفين أو بمعنى أدق (جزء ممن يدعون أنهم من نخب الثقافة والعلم) عند بداية النقاش نكتشف أنهم يفتقدون أساسيات النقاش والحجة، وأنهم يتوارون خلف عباءة الثقافة والنُخبة؛ لكي يحصدوا بعضًا من المميزات المجتمعية.
فإني أرى أن على المجتمع أن يبحث عن المثقف الحقيقي؛ المثقف الذي ليس في حساباته ألقاب والسعي وراء التعريفات، فالثقافة سلوك، وفكر ورؤية، ومنطق، ونقد الذات، والحجة والدليل والإقناع، وسرعة البديهة، وذكاء في طرح المواقف والافكار، وإبداء الرأي بشكل يتقبله الجميع والإيمان بتعددية الآراء ومحدودية الأفكار لدى الكثير، ومن ثم العلم والشهادات.
‘‘ هذه الصفات تعطينا دليلًا واضحًا وجليًا، على أن الثقافة ليس لها معايير راسخة، ولا أسس محدودة، ولا إطار ثابت، وإن المثقف والنخبوي نحن من نبحث عنه وليس من يُفرض علينا؛ بسبب علمه الغزير وشهاداته الأكاديمية.
نعم العلم جزء أساسي من شكل المثقف لكنه ليس الوحيد، بل إن المتعلم يرى من زاوية علمه فقط، بينما المثقف يرى من زوايا عدة، فهناك فرق بين المتعلم والمثقف، وأيضًا هناك فرق بين من يُفرض علينا ومن نبحث عنه‘‘.
فالثقافة نعمة وحق لكل إنسان الإلمام والمعرفة، والبحث عن الذات، وأنها ليست حكرًا على فئة معينة دون غيرها، وأنها متوفرة لكل من يبحث عنها فوسائل البحث الجديدة فتحت بابًا واسعًا لغزارة المعلومات، ابحث عن عقلك لا تجعل غيرك يفكر عنك.