الراجحي: عشتُ يتيمًا وأصبت بالسرطان وهذه الفئة غالية على قلبي

مشاعر مرهفة كطفلٍ نقي القلب لم يخبر من الحياة إلا محبة الوالدين وحنانهم، خاض الحياة بتجاربها المختلفة فتميّز بالتجارة والاستثمار، ولمع اسمه في المجتمع بين واحدة من أضعف فئاته كان يشعر بمعاناتهم التي يعيشونها والتي عاشها وأدرك كل ملامحها جيدًا، إنها مرحلة اليتم.

وفي حديث شيّق مع صحيفة “مكة” الإلكترونية، يكشف رجل الأعمال المطور العقاري الدكتور الشريف محمد الراجحي، عن أبرز المحطات الأليمة في حياته والتي بدأت باليتم صغيرًا وبإصابته بورمٍ سرطاني حديثًا، وعلاقته بالأطفال والأيتام ومرضى السرطان ومبادراته الاجتماعية المتنوعة لتسليط الضوء على هذه الفئات الهشة في المجتمع.

ويتطرق الحديث مع الشريف الراجحي، لأهم مواصفات رجل الأعمال الناجح والأسباب التي تؤدي إلى نمو العمل وتطويره، لاسيما في المجال العقاري، وعن أبرز النصائح للرياديين الشباب الذين يتطلعون إلى تحقيق أحلامهم في التجارة والاستثمار.

في بداية الحوار طمئن محبيك عن حالتك الصحية؟

الحمد والشكر لله صحتي الآن في حالة جيدة وقد أجريت خلال الفترة الماضية عدة عمليات لاستئصال جزء كبير من القولون وعملية ثانية لاستئصال جزء كبير من الكبد وعملية ثالثة لتفجير بعض الأورام السرطانية التي يصعب استئصالها أيضا كما تم علاجي بالدواء الكيماوي وحاليا في فترة الفحوصات لتقييم الحالة المرضية الخاصة بي.

تشهد لك الكثير من المبادرات الاجتماعية في خدمة أبناء المملكة، ما هي أقرب مبادرة إلى قلبك وما سر الاهتمام بهذا المجال؟

أقرب المبادرات إلى قلبي هي المبادرات الخاصة بالأيتام، وسبب اهتمامي بذلك أني قد عشت حياة اليتيم بعد وفاة والدي وأنا لم أكمل الثمانية عشر عاماً، فأنا أشعر بالمعاناة التي تواجه اليتيم، وأعي حجم المتاعب التي يواجهها في حياته اليومية، وقد بادرت قبل غيري في مجتمع منطقة مكة المكرمة بالعديد من المبادرات المجتمعية الخيرية للأيتام، والحمد والشكر لله كانت مبادراتي سبباً في تسليط الضوء وانتباه العديد من الناشطين المجتمعيين في منطقة مكة المكرمة لهذه الفئة الغالية علينا وأقصد الأيتام، وقد تم عمل العديد من المبادرات للأيتام على نسق ما بدأته أنا وهذا فضل كبير من الله عز وجل عليّ بأن أكون سبباً في ذلك.

ومنذ عام تقريبا أصبت بوعكة صحية على أثرها تم تشخيصي بمرض السرطان في المرحلة الرابعة وأكد الأطباء على ضرورة العلاج الكيميائي والخضوع لثلاث عمليات جراحية كبيرة للحد من سرعة انتشار المرض، عندها توقف الزمن بي لبضع لحظات من هول الصدمة والخوف من المجهول الآتي، وفعلا بدأت العلاج على الفور وكانت أول جرعة علاج كيميائي أحقن بها في الوريد عبارة عن سم يتخبط بجميع أجزاء جسدي وكأنني رفعت إلى السماء وسقطت وتحطمت كامل عظمي عند السقوط، سم يجعل منك جسدا يأن بلا روح ولا ذاكرة ولا قوى حتى على المشي وكنت في أغلب الجرعات أفقد الوعي من شدة الدواء الذي يسري في عروقي، ناهيك عن الشعور بالإحباط وتساقط الشعر وتشقق الجلد وغيرها من الأعراض الجانبية المصاحبة للعلاج الكيميائي.

وعندها تذكرت أنني في يوم من الأيام كنت في زيارة لإحدى المستشفيات التي تعنى بعلاج أطفال مرضى السرطان قبل علمي بإصابتي بالمرض وكنت أرى وجوها بريئة صفراء اللون وأجساما هزيلة ورؤوس صغيرة تساقط الشعر عنها وكنت أحاول أن أضع البسمة على وجوههم بألعاب وهدايا كنت أعتقد وقتها أنها ستخفف عنهم ألم المرض وكنت أرى على وجوههم تلك الابتسامة الباهتة المعلولة وحزنت وقتها على مرضهم؛ لكنني لم أكن أعي أن ما يعانونه أكبر بكثير من إحساسي بالأسى تجاههم فهذا جسدي المريض الذي لا يقوى على الحركة بسبب ما أتلقاه من علاج فما بالك بأجساد صغيرة ضعيفة لم تر من هذه الحياة إلا المرض والدواء.

وعندها قررت أن أبذل ما بوسعي لتسليط الضوء على مرضى السرطان بهدف لفت انتباه سيدات الأعمال ورجال الأعمال لتقديمهم الدعم المادي والمعنوي لمرضى السرطان، وبفضل الله تم نجاح مبادرتي (كلنا أمل) لمرضى السرطان، وكانت مبادرتي لمستفيدي جمعية ساند للسرطان، وتم حضور النخبة من أعضاء ملتقى “أصدقاء الشريف الراجحي” وعلى رأسهم سعادة محافظ محافظة رابغ الشيخ أيمن بن مبيريك الغانمي والذي حضر نيابة عني في المبادرة، وتسلم درع التكريم الخاص بي من جمعية ساند للسرطان، كما تميزت المبادرة بحضور النخبة من ملتقى “أصدقاء الشريف الراجحي” نذكر منهم على سبيل المثال لا الحصر كلا من : معالي الدكتور زهير نواب رئيس هيئة المساحة الجيولوجية سابقاً، ومعالي الدكتور مدني علاقي وزير الدولة وعضو مجلس الشورى سابقاً، والمشرف العام على وزارة التخطيط والاقتصاد الدكتور محمد آل حفيان، والشيخ عبدالعزيز قاسم رحيم من كبار مسؤولي شركة أرامكو في المنطقة الغربية، والدكتور عبدالقادر تنكل نائب الرئيس شركة جدرك، والشيخ نبيل باعشن من كبار مديري شركة أرامكو سابقاً، والعميد م. عبدالله القحطاني مدير إدارة مكافحة المخدرات، الإعلامي المخضرم والأديب والكاتب الصحفي عبدالعزيز قاسم ، والشريف جمال الراجحي، والشريف عبدالله بن محمد الراجحي والعديد من الوجهاء.

هل هناك موقف إنساني لا يغيب عن ذاكرتك ؟

لا يغيب عن ذاكرتي لمعة دمعة فرح في عين طفل يتيم يجلس على كرسي متحرك لا يكاد يتجاوز الثامنة من العمر.

حدث هذا أثناء حضوري اجتماع في جمعية الأيدي الحرفية مع صاحب السمو الملكي الأمير فيصل بن سلطان بن ناصر بن عبدالعزيز حيث أنني أحد أعضاء المجلس الاستشاري في الجمعية وكنت حينها أتفقد احتياجات المستفيدين من هذه الجمعية ولفت نظري طفل صغير بريء الملامح يجلس على كرسيه المتحرك بخجل وعيون حائرة في زاوية من زوايا المكان وكان تقريبا في عمر ابني عبد العزيز حينها لا أعلم ما الذي جعلني أتوجه إليه دون غيره من الأطفال وسألته عن اسمه فأجابني بخجل اسمي فارس الغامدي عندها أخبرني أحد الموجودين بأن الطفل فارس هو صاحب أكبر جدارية للتوقيع على مبايعة ولي الأمر.

وأحببت وقتها أن أحقق لهذا الطفل حلما من أحلامه تشجيعا له على مواصلة إبداعه والمضي قدما في هذه الحياة رغم قسوة ظروفها وعندما سمعت طلبه كانت صدمتي لأن أكبر أماني هذا الطفل البريء هي الحصول على جهاز لابتوب يستطيع من خلاله تصفح الانترنت وتنمية مهاراته من خلال القراءة.

وبالفعل حققت له أمنيته الصغيرة وقمنا بالاحتفال به وبباقي الأطفال في الجمعية ومنذ ذلك اليوم لا أنسى فرحة هذا الطفل وهو يحتضن جهاز الكمبيوتر الجديد وكأنه يحتضن بذراعيه الصغيرتين فرحة السماء والأرض.

ما الفرق بين الإنسان العادي ورجل الأعمال؟ وهل يمكن لأي شخص أن يكون رجل أعمال؟

الإنسان العادي عندما يكتشف قدراته والمزايا التنافسية التي فيه ويعمل على صقلها وتطويرها من خلال الدراسة والتدريب العملي والانخراط في سوق العمل حينها يتحول إلى رجل أعمال قادر على تقييم الوضع واتخاذ القرار الصحيح في الوقت الصحيح.

رجل الأعمال هو رجل واثق في نفسه فلا يؤثر فيه انتقادات أو أراء سلبية بعيدة عن الواقع وغير مبنية على أسس وأدلة، ويخطط دائمًا لحياته وقد تكون خططه غير مكتوبة أو محفوظة على الحاسب ولكنها في عقله مكتوبة ومحفورة ومؤرخة أيضا من حيث المهام المطلوبة وآليات التنفيذ، إضافة إلى أنه يبدأ حياته كموظف في أي شركة يعتبر هذه الوظيفة مرحلة انتقالية لحياة أخرى يكون هو فيها صاحب الرأي والقرار بينما الإنسان العادي عندما يجد وظيفة مرموقة يظل متشبثًا فيها ولا يفكر في تركها أبدًا، وأخيراً انه يتحلى بموهبة اقتناص الفرص واستغلالها لمصلحته فالفرق بين الإنسان العادي والناجح أنه في حالة وجود الفرص يقتنصها الناجح ويجعلها لصالحة بينما الإنسان العادي قد يتركها تمر مرور الكرام.

علاقتك وطيدة بالأيتام في المملكة، هل في ذلك تجربة شخصية؟ هل ذقتم مرارة اليتم؟ أم أنها الطيبة والحرص على عمل الخير؟

توفي والدي وأنا في مرحلة الدراسة الثانوية والعيش بدون أب أشبه بالعيش تحت سقف بيت بدون أعمده ولا جدران بدون  ظهر تستند إليه في ابسط متطلبات الحياة فالأب هو المعيل وهو المرشد وهو القدوة التي تبني عليها شخصيتك المستقبلية وهو المستشار وهو المحامي وهو المدرسة وهو درع الأمان لأطفاله وفقدانه هو فقدان كيان كما أنه سلاح ذو حدين إما أن يجعل منك إنسانا قويا مكافحا في حياة لا ترحم أو يكسر آمالك لتضيع في دوامة الحياة .

نعم لقد ذقت مرارة الحرمان والاشتياق ومن عاش التجربة ليس كمن يراها من بعيد فأنا أحس بخوف هؤلاء الأطفال وأحس بضياعهم وحاجتهم ليد حنونة تشعرهم بالأمان وتخفف من خوفهم وضعفهم لأنهم جيل مستقبل بلادنا فإن قمنا بتأسيسهم وتعليمهم وثقل شخصياتهم نهض الوطن وكانوا درعا حاميا له.

 وإن كان حرصي على اليتيم طيبة فمن الأولى أن يكون إتباعا والتزاما بأمر الله سبحانه وتعالى حين قال سبحانه (يسألونك ماذا ينفقون قل ما أنفقتم من خير فللوالدين والأقربين واليتامى والمساكين وابن السبيل وما تفعلوا من خير فإن الله به عليم).

يقال إن أقصى ما يهم رجال الأعمال هو تحقيق الربح وزيادة المال، ما مدى مصداقية هذه العبارة؟

الاستثمار وتحقيق الأرباح هدف مشروع لكل رجال الأعمال لتحقيق الاستدامة للشركات والمشاريع الاقتصادية، ولكن تغليب جانب المسئولية الاجتماعية والمسؤولية تجاه المجتمع السعودي ضرورة لابد منها لخلق التوازن، ونجد أن العديد من رجال الأعمال السعوديين يشاركون المجتمع في المشاريع الخيرية، يتضح ذلك جلياً لمتابع الكيان الخيري والتطوعي، ونجد العديد من أسماء رجال الأعمال حاضرة في العمل التطوعي والمجتمعي والخيري.

ما هي أبرز المعيقات التي تقف أمام رياديي الأعمال الشباب من وجهة نظرك؟

أهم  المعيقات التي تقف أمام ريادي الأعمال والشباب تختلف باختلاف النشاط التجاري أو الصناعي أو الخدمي، ونجد أن هناك تواجد للعديد من الجهات الحكومية لمساعدة ريادي الأعمال وحل المشاكل التي تواجههم أثناء بداية النشاط لضمان الاستمرارية، ومنها حاضنات الأعمال ومسرعات الأعمال من قبل هيئة منشات وزاره التجارة والاستثمار والغرف التجارية والصناعية على مستوى المملكة وتبني بعض رجال الأعمال لأفكار الشباب لإقامتها وتمويلها وضمان نموها وتطويرها، ويبقي الجانب الأهم علي الشباب في الاهتمام بالابتكارات والتطوير وتقديم الأفكار الجديدة والجيدة بما يتواكب مع الرؤية ٢٠٣٠ من فرص ومبادرات لخدمة القطاع الخاص السعودي.

لقد خضت الكثير من التجارب الاستثمارية، ما هي أسرار النجاح وما هي أسباب الفشل في نظرك؟

أسرار النجاح لأي مشروع استثماري برأيي أولا وقبل كل شيء هو التوكل على الله ومخافته في كل خطوة تخطوها في بداية مشوارك الاستثماري، ومن ثم تأتي باقي الأمور تباعا، ومنها تحديد أهداف المشروع وعمل دراسة شاملة له واختيار فريق العمل المناسب له، ثم عمل دراسة تسويقية لهذا المشروع كما أن للاسم التجاري وانتقاء شعار المشروع دور كبير في انتشاره ونجاحه، أما أسباب فشل أي مشروع استثماري باعتقادي هو عدم صلاحية وكفاءة الإدارة وعدم معرفتها الكافية للتعامل مع الأزمات وطرق حلها.

كمطور عقاري كيف تصف سوق العقار اليوم؟

المملكة العربية السعودية اليوم في قمة توهجها وانطلاقها إلى آفاق جديدة لم نكن نتخيلها في الأعوام السابقة فرؤية مولاي الملك سلمان وولي عهده الأمير محمد فتحت نطاقات جديدة وفرص استثمارية وعقارية كبيرة في السوق السعودي اليوم، كما أنها أتاحت فرص عمل وإبداعات كثيرة للشباب والشابات السعوديين، وأنا في رأيي أن التطور الحاصل يصب في مصلحة سوق العقار وسوف نشهد تضخما كبيرا في هذا المضمار في الأعوام  القادمة.

كيف ترى عمل وزارة الإسكان وما هو تقييمك لمخرجاتها؟

وزارة الإسكان لديها الرغبة في توفير خيارات سكنية متنوعة للمستفيدين المستحقين، أضاف برنامج “سكني” من وزارة الإسكان خيار البناء الذاتي لتسريع تمكين المواطنين المستحقين الذين يملكون أراضي سكنية من تملك المسكن المناسب من خلال دعمه بالحصول على قرض عقاري مدعوم الأرباح وإعطائه الحرية في بناء وحدته (بناءً على الشروط والأحكام وآلية العمل) بشرط عدم الحصول على دعم سكني سابقاً من وزارة الإسكان، وإن وزارة الإسكان تتميز بالعديد من الأمور وأبرزها:

– توفير حلول وخيارات سكنية متعددة للمواطنين المستحقين لتملك المسكن الأول المناسب حسب الرغبة، وتسريع حصول المواطنين المستحقين على المسكن المناسب من خلال دعمه بالحصول على قرض عقاري مدعوم الأرباح للبناء الذاتي، إضافة إلى إعطاء حرية بناء الوحدة السكنية في أي موقع يختاره المستفيد بناءً على الشروط والأحكام وآلية العمل، كل هذه الحلول جعلت وزارة الإسكان تقدم العديد من الخيارات للموطنين لتملك الوحدات السكنية المناسبة لهم.