الصحفي المتجول
من منا لايحلم بأن يصبح ثرياً بين ليلة وضحاها ممتلكاً للغالي والنفيس والثروات والأرصدة المالية الهائلة في البنوك المحلية والعالمية مبرراً ذلك بأن المال سوف يجلب له ولأسرته السعادة والرفاهية وأن الدراهم مراهم ..وللحالمين بإمتلاك الملايين أسوق لهم هذه القصة الحقيقية والتي تحتوي على عظة وعبرة :
فمن (الحدوتات) المعروفة على قول إخواننا المصريين أن مستخدماً فقيراً كان يعمل في قصر أحد الوجهاء المعروفين وفي كل ليلة كان الوجيه يستقبل عدداً كبيراً من وجهاء وأثرياء المدينة – وكان هذا العامل البسيط والذي يتسم بخفة الدم كونه صاحب نكتة يقوم بخدمة كبار القوم.. ولذا فإنه كان محبوباً من الجميع والذين كانوا يسألونه عن أحواله وأوضاعه المعيشية.. بينما كان هو حينما يقوم بتقديم الشاي والقهوة لهم يفصح لهم علانية عن أمنيته في أن يصبح مثلهم تماماً أي ثرياً ومن سكان القصور الفارهة ويحصل حتى ولو على مليون ريال – مضيفاً بأنه لو حصل على هذا المليون فسوف تتغير أحواله تماماً من فقر إلى غنى وشقاء إلى سعادة وسوف يشتري منزلاً له ولأسرته المكونة من ستة أبناء وزوجة – فإتفق الجميع على جمع مبلغ المليون ريال الذي تمناه وتقديمه له كتبرع منهم لتصحيح أوضاعه المالية ..وفي أحد الأيام فوجئ هذا العامل البسيط بالنبأ بعد أن قدموا إليه مبلغ المليون ريال كهبة من الجميع..
وهنا دخل هذا العامل البسيط في معمعة التفكير والطمع – وأول مافكر فيه هو إستثمار هذا المبلغ الكبير في سوق الأسهم والعقارات كذلك طلاق زوجته وأم أبنائه والزواج بإمرأة حسناء – أضف إلى ذلك الخوف الذي إنتباه من تعرضه لسرقة المبلغ وفي تلك الليلة لم ينم نتيجة الخوف والقلق الذي سيطر عليه وكان يشك في كل من حوله من أنهم يتربصون به لسرقة المليون – وغاب عن منزله في تلك الليلة بينما نما إلى علم زوجته وأم أبنائه أنه حصل على مبلغ كبير من المال وأنه سوف يطلقها فجن جنونها وحضرت إلى حيث زوجها لتتشاجر معه وليحصل منها على علقة ساخنة – وإنتقل الشجار إلى الأبناء الستة حيث كان كل واحد منهم يصر على أن له النصيب الأكبر من هذا المليون بينما كان والدهم والذي كان بالأمس فقيراً معدماً يطردهم ويهددهم بقطع المصروف عنهم وهجر منزله وأسرته.. ووصل الأمر بتمني أبنائه وزوجته وفاته حتى يرثوا كل هذا المبلغ – ومن ثم تدهورت صحته نتيجة التفكير العميق وأصبح (كسولاً) لايؤدى عمله بإخلاص كما كان سابقاً وأصيب بحالة نفسية عميقة ولم يعد خفيف ظل وصاحب نكتة كالماضي – فلما أحس بأن حياته أصبحت جحيماً في جحيم بسبب المال وإنقلبت إلى شجار ومشاكل ونكد مع أسرته وجيرانه ومعارفه قرر أخيراً إعادة المبلغ إلى أصحابه وبالفعل أعاد المليون إلى حضرات الوجهاء وقرر أن يعود كما هو فقيراً معدماً وعاملاً بسيطاً..
أسوق هذه (الحدوتة) لأن كثيراً من الفقراء ومحدودي الدخل ومهدودي الحيل لايقتنعون بما رزقهم الله به ويحلمون بأن يصبحوا أثرياء ويمتلكون المال الوفير والقصور الفارهة ظناً منهم أن السعادة تشترى بالمال ونسي هؤلاء أن معظم الأثرياء يعيشون في كوابيس وحالات خوف وقلق وأمراض نفسية وجسدية خطيرة وأن السعادة لاتشترى بالمال وكم من ثري كبير أصبح اليوم قابعاً خلف القضبان الحديدية بعد تورطه في صفقات مالية أو خسارته لثروته وعلى المرء منا أن يقتنع بما أفاءه الله به من نعم ويكفي أنه يعيش في أمن وأمان مكتفياً بما رزقه الله عز وجل له ..وبخاصة أولئك الذين يمتلكون منزلاً صغيراً يؤويهم هم وأسرهم وليس عليهم ديوناً أو إلتزامات مالية للغير ..فهؤلاء ينطبق عليهم المثل الشعبي الشهير(بيت قد المرايا ولا كل سنة هات كراية).