لقد شكل خروج المنتخب المصري وصيف بطل أفريقيا من دور الـ16 على يد جنوب أفريقيا، في القاهرة وسط حضور الجماهير المصرية، شكّل إقصاءه من العرس الإفريقي صدمة كبيرة لعشاق الكرة المصرية والعربية وأنصار المنتخب المصري على وجه الخصوص…
إن عنصر المفاجأة كان حاضراً إذا ما قسنا الفارق بين المنتخب المصري ومنافسه تاريخاً وحاضراً فالفريق الجنوب إفريقي ورغم تتويجه باللقب مرة واحدة ولعبه دوراً كبيراً في البطولة الإفريقية نهاية التسعينيات وبلوغه المونديال مرتين متتاليتين إلا أنه لا يقارن بحال من الأحوال مع نظيره المصري بطل إفريقيا 7 مرات وأول من حضر المونديال من القارة السمراء، وقد تراجع منتخب الأولاد منذ حضوره مونديال 2002 وغاب عملياً عن كوكبة المقدمة في القارة السمراء حتى إنه أخفق بالتأهل إلى النهائيات في ثلاث مناسبات آخرها عن نسخة 2017، على حين المنتخب المصري تجاوز مرحلة الغياب عن العرس الأسمر بخوض نهائي تلك النسخة وكذلك عاد إلى المونديال الأخير.
لقد كان الوجع كبيراً بعد الإقصاء المذل وأول حبّة مسكّن جاءت في مكانها وتوقيتها، وهو حجب الثقة عن اتحاد كرة القدم لأنه فشل في مهمته التي أخذ كل الوقت والدعم لها وليس لديه أي مبرر. فالمسئولية الأخلاقية عن هذا الفشل اقتضت تقديم الاستقالات الجماعية بصورة طوعية وفورية، وإقالة المدرب، لأن اتحاد كرة القدم وباقي أعضاء مجلس إدارة اتحاد الكرة جميعاً صناع الفشل، وقد سحب منهم الفشل كل صلاحية وشرعية للاستمرار.
أما لماذا؟ لأن شريحة مهمة من الشعب المصري، لن تقبل حسن الظن في هذا الاتحاد من أجل استمراره حتى لا يبدد ملايين أخرى من أجل فشل جديد، كالفشل الذريع في كأس أمم إفريقيا. فالملايين التي تنفقها الدولة على المنتخب المصري لكرة القدم، تحتم هذه الاستقالات الجماعية الفورية، فما تنفقه الدولة سنوياً على المنتخب، هي من أموال الشعب، يجب بالضرورة أن يثمرنتائج مشرفة وإلا فإن ترك الساحة للكفاءات ضرورة وطنية تحتمها سياقات النجاح والفشل اللذين يشكلان معيار البقاء أو الرحيل.
نقول هذا الكلام ألماً وحرقة على ما وصلت إليه كرة القدم المصرية، ولا نقوله تشفياً أو تعدياً أو ظلماً، فالتاريخ موجود، والنتائج ماثلة أمامنا، والقرارات العشوائيةالارتجالية التي سادت وعمل معها اتحاد كرة القدم المصري شاهد إثبات في محطات عدة…
نعتقد أن (فاقد الشيء لا يعطيه) وهذا حال إدارة هذا الاتحاد الذي فشل في إعطاء الكرة المصرية أي شيء إيجابي على الصعيد الإداري والتنظيمي أو على الصعيد الفني (النشاطات المحلية والخارجية). والوقائع شاهد عيان على ما نقول، فلا تحتاج إلى أدلة أو شهود أو إثبات. للأسف فـ كرة القدم فهمها الاتحاد المصري لكرة القدم، تنظيراً، لذلك أكثر المنظرون من كلامهم المعسول في جلساتهم الخاصة أو في لقاءاتهم الصحفية العامة، وكنا نقرأ في الإعلام كلاماً لم يكن إلابمنزلة ذر الرماد في العيون، لكن على الأرض لم تصدق أي كلمة مما قالوه، كدليل على أنهم يصفون الكلام صفاً ولا يعرفون معنى هذا الكلام أو كيفية تطبيقه!
فالوعود التي أطلقها مدرب المنتخب بالوصول إلى النهائيات وربما الفوز بكأس أفريقيا، ذهبت أدراج الرياح، وما أسهل أن يطلق الإنسان وعوداً! فالمدرب ”أغيري” من أسباب الإخفاق رغم نوعية اللاعبين الأفضل في المنتخب. فالمدرب المكسيكي لم يفلح في قراءة الكرة الإفريقية جيداً ولم يبدع خلال المباريات والدليل تراجع مستوى الأداء وبخاصة في الأشواط الثانية وفشله بالتبديلات المناسبة كما حدث في المباراة الأخيرة عندما أخرج ”النني” و”السعيد” ليفتح الطريق أمام المنافسين للسيطرة على وسط الملعب وتاه الفريق تماماً فكانت الخسارة المستحقة.
نتفق مع كثيرين، أنّ الاستقالة واحدة غير كافية ويجب أن ننتقل إلى مرحلة أكثر موضوعية وهي مرحلة المحاسبة، وبناء عليه يجب ربط المقدمات بالنتائج والسؤال عن كلّ جنيه صرف على المنتخب وأين صرف وماذا أثمر…؟ الجمهورنا المصري شخّص الحالة تماماً في تغريدات وجعه عبر مواقع التواصل الاجتماعي وهو محقّ بكلّ شيء إلا بـ(الشتيمة والسباب) وحتى نغيّر هذا الواقع يجب الاستمرار فيه ولكن بهدوء وبمعطيات ومقترحات منطقية لا عاطفية وحسب، منتظرين أن يكون تجاوب أصحاب القرار على حجم والوجع.
فالمشكلة الحقيقية للكرة المصرية ليست الخسارة والإقصاء المؤلم، بل ما جرى في كواليس المنتخب سواء أكان مسؤولاً أم إدارياً أم مدرباً وحتى اللاعب، فالأمر تعدى كل هؤلاء ليصل إلى قضية رأي عام تهم الشريحة الكبرى من الجماهير المصرية التي تريد وتتمنى أن تشاهد منتخبها في أعلى جهوزية وأقوى مستوى وصولاً إلى التتويج. وهذا للأسف ما يفتقده من يتباكى الآن على المستوى الذي وصل إليه المنتخب والتراجع الذي أصابه بعد الإقصاء في داره وأمام جمهوره.
إن إقصاء المنتخب المصري وبالشكل المهين، قد أوصلنا إلى نقطة الصفر رغم الملايين التي تصرف من أجله، فخرج من الكأس الإفريقية مبكراً، لا مستوى فني مقنع، ولا نتيجة مقنعة في المباريات جميعها. فقد أقنعنا أنفسنا بالمستوى التقني المتذبذب وبمنطقية النتائج مع الفرق المتنافسة، فقد ظهرت لنا حالة العجز البنيوية في المنتخب، فوجدناها شاملة في اللاعبين، وفي المدرب، وفي من يقف معهم ووراءهم وأمامهم.
ولا نجد اليوم فائدة في ذكر مجمل الأحداث التي مرت على المنتخب، لأننا مللناها وهذا أولاً، والأهم أننا نشعر بالخيبة جراء هذا الإهمال واللامبالاة بالتعامل مع هذا المنتخب على حساب النفوذ أو المصالح الشخصية الضيقة.
ما حصل للمنتخب قدر مرَّ وانقضى، والمهم في المستقبل، أن ندرس بعقلانية هذا الإقصاء، وأن نجري تقييماً منطقياً بعيداً من العواطف والمصالح، لنصل إلى الأسباب الحقيقية التي أدت لمثل هذه النتائج المخيبة للآمال وهذا الأداء العقيم الذي لا يليق بكرة القدم المصرية وسمعتها.
لذلك نوجه كلامنا إلى الاتحاد المصري لكرة القدم القادم ونأمل أن يكون جديداً وملبياً لطموح عشاق الكرة المصرية، ونتمنى من القادمين أن يقتنعوا، أن كرة القدم لا يمكن أن تتطور إلا بقواعدها الأصيلة، لأن رياضة كرة القدم أصبحت بحاجة للكم من اللاعبين لاختيار النوعية القابلة للاستمرار، مع ضرورة متابعة العملية التدريبية معهم بالشكل الأمثل ورعاية اللاعبين الموهوبين منهم وفق خطة مركزية تهدف لتوسيع قاعدة الألعاب من خلال تنشيط البطولات محليا وخارجياً لأن ذلك يساعد على استقرار المنتخبات الوطنية لجميع الفئات ومن خلالها سيعود لرياضة كرة القدم بالتأكيد ألقها وإشعاعها.