مجرد ذكر كلمة “مباحث” تثير الارتباك والخوف، كحالة متفق عليها فكيف بمن يذهب بطوعه واختياره إلى سجن “المباحث“ الشهير في ذهبان بمدينة جدة؟
ونحن في طريقنا لسجن “ذهبان“ كان الجو حارًا، والرطوبة عالية جدًا ووقع كلمة “مباحث” على النفس زادت الطين بلة، ومع هذا شعرت أن كل الضيوف في الفندق يمشون يخيّم عليهم الصمت الرهيب، وانقطع الهمس كأننا في زنزانة معزولة عن الماء والهواء عدا عزف كنداسة السيارة التي أنست وحشتنا.
صوت المسؤولين، وهم يحيطون الضيوف بأعلى درجات الكرم يشبه صرير الرياح في ليلة شتاء قارس، حاولوا نزع الخوف وزرع الثقة بحسن حديثهم وأسلوبهم المهذب، وبدأت ملامح الصلة والتواصل بين الأرواح المجندة بعيدًا عن قلق كلمة “المباحث”، وبدأت ملامح مبنى السجن تلوح في الأفق، وعاد لنا القلق فور دخول البوابة بحواجزها المتعددة؛ وكأن السلاسل إلى الأذقان فهم مقمحون.
المكان يسوده الهدوء والأناقة وحسن التنظيم، المعرض يكشف جوانب من الجهود الهائلة من القائمين على السجن لتنظيم وقت السجين، وتحويل الزمن من عامل ضغط نفسي على السجين إلى استثمار بناء الشخصية والموهبة أو اكتساب مهارات جديدة، المسرح تشع منه البهجة، بعض المساجين ترتسم على ملامحهم السعادة والاستقرار النفسي، والثقة وهذه معطيات ومؤشرات حقيقية تؤكد أهمية ونجاح برنامج “إدارة الوقت” الذي أصبح شعار العاملين في السجون مع المساجين.
منتجات رائعة، وحضور لافت، وحسن تعامل، ورقي في التعامل، ومع هذا فكلمة “مباحث” لازال جرسها الموسيقي على الأذن بنفس إيقاع موسيقي “انديانا جونز” …. شاهدنا أجنحة المعرض واستمتعنا “بالعالم الافتراضي”، وسجلت كلمتي الانطباعية على حائط الحدث، وسمعت من المساجين كلمات تثلج الصدر، ووقفت على بعض الأعمال الرائعة التي اكتسبوا مهاراتها من مدربين أحضرتهم لهم إدارة السجن مع توفير الخامات، بل وعرض المنتجات للبيع، ومن ثم التدريب والتهيئة لسوق العمل قبل دخول الحياة الجديدة القريبة جدًا إن شاء الله.
انتقلنا للمسرح وهناك شاهدنا مواهب مسرحية تتفوق على نجوم الدراما السعودية، بل إن الفنان فائز المالكي أشاد بهذه المواهب، وشاركهم كرنفال السعادة التي رسموها على خشبة المسرح بعد كسر الجدار الرابع، وكان علي الهويريني نجم الختام بعد كلمة ارتعشت خلالها القلوب، وعزفت لحن الوطن بعواطف جياشة.
مكثت أقلب صفحات هذه الحكايات الجميلة، وحاولت ترجمة هذه المشاهد المدهشة فتعذر عليه ذلك، بقي همسة صادقة موجهة لمعالي الوزير عبد العزيز الهويريني ومدير سجن ذهبان وللقائمين على برنامج “إدارة الوقت” لقد كسرتم حائط الوحشة بينكم وبين إخوانكم المساجين، وساهم وعيكم في بناء الجانب الإنساني بدرجة عالية من التفوق، وهمسة أخرى لمن وقع في فخ زعماء أوكار الظلام أنتم لوحدكم دفعتم الثمن فهل استوعبتم الدرس؟.
عندي أسئلة حائرة عن غياب هيئة الترفيه، وغياب الهيئة العامة للسياحة والتراث الوطني وبرامج السعودية الأسبوعية، وغياب وزارة الإعلام عن مثل هذه البرامج لكن خائفًا من “المباحث” !!! ما علينا عمومًا شكرًا لمن أكرمنا بأغلى وأثمن وأجمل دعوة، وشكرًا لقيادتنا الحكيمة التي وفرت لي ولأسرتي وطن أعيش فيه أمنا في سربي وجعلتني أنا ومالك الدنيا سواء.