د. جرمان الشهري

الإيثار الزيداني

عندما تسود الألفة والمودة والمحبة بين الأقارب، ومن ثم تؤطر تلك المشاعر النبيلة والأحاسيس المرهفة بعظمة وفضل الإيثار، تتجلى الصورة الناصعة للنقاء والحب والتضحية في أعلى درجاتها .. لاشيء يعادل أحاسيس الأسرة الواحدة تجاه بعض، سواء كانت أحاسيس سعيدة أو تعيسة، ففي حالة انصهار العائلة الواحدة في بوتقة وحنان ودفء المشاعر، نجدهم سندًا لبعض، يفرح الجميع لفرح الفرد، ويحزن العموم لحزن الشخص، يقفون سويًا في السراء والضراء، مشاركة لبعضهم ومساهمة في التخفيف من الآلام وقت الأزمات أو الابتهاج بالسعادة في مناسبات الأفراح ..

بالأمس القريب تعرّض الشاب محمد بن عبدالله الزيداني ٢٦ عامًا إلى فشل كلوي، وكان الخبر فاجعًا وصادمًا لعموم أفراد أسرته وذويهم وأقاربهم، ورضاءً بقدر الله وقضائه سلم الجميع واستسلم لهذا البلاء المؤلم، والذي أخضع المريض مؤخرًا للغسيل الكلوي أسبوعيًا، وهكذا استمر الحال والبؤس يتلبس الجميع من تلك المعاناة التي لا يعلم أحد نهايتها، وامتثالًا لأمر الله ورحمته ووعده جل وعلا، بأن الله مع الصابرين، وأن مع العسر يسرًا، لاحت بوارق الأمل في الأفق، وتحركت مشاعر الإيثار في نفس الأخ الأصغر أحمد بن عبدالله الزيداني ١٩ عامًا، فأصر على التبرع لأخيه بإحدى كليتيه، ومن هنا بدأت ملامح الأمل في التنفيذ، بخضوع الأخ المتبرع للفحوصات الطبية التي أثبتت توافقه مع أخيه المريض، وإمكانية تبرعه بإحدى كليتيه لأخيه، ملأ الفرح أجواء الأسرة وابتهج الجميع بالأخوين، وتمت العملية يوم الخميس ٢٢ ذو القعدة لهذا العام ١٤٤٠ هجرية، بمستشفى الملك فيصل التخصصي بجدة، وتباشرت الأسرة وازدادت أفراحها بنجاح العمليتين وسلامة الأخوين وخروجهما من غرفة العمليات، بقلبين حبيبين وكليتين مناصفة لكل منهما كلية، تشاركا في الأعضاء بعد أن امتلأ قلبيهما بالحب والمشاركة الوجدانية والعاطفية، نتج عن ذلك تسجيل رقم قياسي عائلي في درجات الإيثار العظيم ..
بارك الله لهما في الصحة والعافية والنقاء والطهر والمحبة الأخوية، وهنيئًا لكليهما هذا الحب والتفاني والاندماج الإنساني ..

بقي أن أقول بأن هذا الشاب المتبرع لأخيه، ضرب مثالًا رائعًا لنخوة وشهامة الشباب السعودي بصفة عامة كسلوك عام وجداني تجاه نجدة المحتاج ومساعدته بصرف النظر عن القرابة والأخوة، وبالتالي فإن علينا كمجتمع تقدير هذا الشاب ودعمه وتحفيز غيره على الإقدام على مثل هذه المبادرات الإنسانية، ولا أقل من أن نسعى إلى مناشدة المسؤولين ورجال القطاع الخاص بتأمين وظيفة مناسبة لهذا الشاب الطموح والقدوة في عمل الخير وحب الإيثار.

نقطة متصلة بمقال سابق:-
شكرًا أمانة جدة على تجاوبكم بإضاءة ممشى طيبة في شمال جدة.

Related Articles

11 Comments

  1. الحمد لله على سلامة الجميع وجزى الله اخوه احمد خير الجزاء
    واملنا في الله ثم ولاة الامر تهيئة الوظائف الادارية للحالات الصحية المماثلة لهذين الاخوين
    بتنسيق بين الشئون الصحية والاجتماعية وديوان الخدمة المدنية
    شكرا د/جرمان لطرح هذه الحالة

  2. شكراً لك أبا وليد على هذا المقال الرائع ونسأل الله أن يطيل في أعمار الأخوين محمد وأحمد على طاعتة وكثر الله من أمثال أحمد بن عبدالله هذا هو الإيثار في أعلى درجاتة

  3. شكراً أخي خالد آل زيدان ..
    حفظ الله الأخوين لوالديهما ، وأسبغ عليهما الصحة و العافية .

  4. الحمد لله على سلامة اﻷبناء محمد وأحمد وهنا تكون اﻷخوة الصادقة . وكثيرا ما نسمع إذا أحب شخص أخيه تجده يقول أفديه بعيوني وهذا من مطلق المحبة والواقع رأيناه عيانا وتطبيقا من اﻹبن أحمد الذي آثر على نفسه ليرى أخيه محمد الذي فقد لذة الحياة باعتلال صحته وفشل الكليتين فتقدم هذا اﻷخ الشهم وقال أفديك بكلاي يا إبن أمي وأبي فرجعت صحة شقيقة له بإذن الله وأدخل الفرح والسرور إلى قلوب والديه وجميع أقاربه وجماعته فلله الحمد والشكر ..
    وأشكر أخي العزيز أبا وليد على المقال الذي أبدع فيه حول قضية هذا اﻹيثار الرائع ..

  5. شكرا وارفا أديبنا وكاتبنا الدكتور أبا وليد جرمان الشهري….أنت قامة في سماء الأدب الموجه وسامة في جبين النفع والإعلام النبيل…شكر الله لكم هذه اللفتة النبيلة والتي ألقت بظلالها الوارفة على مشاعر وتضخيات أسرية تجسد معنى التآلف والإخوة من أحمد لمحمد …أحييكم

  6. شكرا أخ جرمان على هذا المقال الجميل.
    واما تبرع الاخ لأخيه فترجع إلى الوازع الديني وإلى حسن التربية والترابط الاجتماعي .
    نسأل الله لهم الشفاء العاجل والحياة السعيدة والترابط ولاخوة الدايمة والمحبة الابدية .

  7. الأخوان الكريمان :-
    أحمد سعيد عبدالوهاب
    ومحمد بن دعكان .
    أشكر لكما هذه المداخلات القيمة والإضافات الجيدة ، ودعواتنا جميعاً للأخوين محمد وأحمد بالشفاء العاجل ، ونبارك لهما هذه الأخوة الصادقة أدامها الله عليهما ، وأسبغ الله عليهما الصحة والعافية .

  8. وشكراً أخي أحمد الزيداني على هذا الإطراء الجميل الذي أسعدني ، مع أن ما قمت به ليس إلا جزء بسيط من الحق والواجب تجاه هذا العمل النبيل الذي تفضل به أحمد لأخيه ، بارك الله لهما في الصحة وهنيئاً لهما ولوالديهما هذا الإحساس الأخوي العظيم .

  9. ولك الشكر أيضاً أخي سحيم بن شافي على هذا التعليق والمشاركة العطرة ، نعم إنه الوازع الديني الذي أثبت بموجبه الأخوين هذا العمل الإنساني .

  10. الحمد لله على سلامتهما وجزى الله اخوه احمد خير الجزاء
    وفعلا مثالا يحتذى في الإثار ،
    واملنا في الله ثم ولاة الامر تهيئة الوظائف الادارية للحالات الصحية المماثلة لهذين الاخوين بتنسيق بين الشؤون الصحية والاجتماعية وديوان الخدمة المدنية، واتمنى من رجال الاعمال في قبيلة الزيداني من بني شهر ان يبادروا بمد يد العون للشابين وامثالهم وان يأخذوا بأيديهم للعمل الحر ودعمهم إن لم يستطيعوا ايجاد وظيفة تناسبهم
    شكرا د/جرمان لطرح هذه الحالة

  11. وشكراً لك دكتور حمد ..
    على مداخلتك الجميلة ودعوتك الصادقة ، واقتراحك الصائب بخصوص هذين الشابين وغيرهما ممن تنطبق عليهم الحالة ، فنحن معنيون جميعاً بالوقوف مع تلك الحالات الإنسانية التي تمثل الوجه المشرق للشباب السعودي .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back to top button