إن ما تقدمه المملكة العربية السعودية من خدمات لحجاج بيت الله الحرام يفوق الوصف والتصور، بالنظر إلى ما تفرضه حاجة المكان والزمان، فبالرغم من المحدودية إلا أن ثمة خدمات ابتكارية في كل عام تتسابق كافة الجهات والوزارات المعنية والقطاعات الخدمية وبطرق احترافية تشير إلى الخبرة والدراية والتمرس فيما يقدم من خدمات لضيوف الرحمن، فكل ما يخطر على بال الحاج والمعتمر أو الزائر يجده قبل أن يطلبه وبشكل لا يتوقعه ! وكأن مقدم الخدمة يتخيل نيابة عن المستفيد، حتى أصبحت الخدمات المقدمة في موسم الحج لا يمكن قياسها بمعايير التميز المؤسسي العالمية، فما تقدمه حكومة المملكة فاق كل التصورات وتجاوز كل المعايير.
سباق حميم بين مختلف الجهات الخدمية انعكس على تطوير الخدمات بشكل إيجابي، وأدى إلى ممارسات وخدمات مميزة في كل المجالات بلا استثناء، إذ تتسابق كافة الجهات الحكومية والمؤسسات الأهلية على تطوير خدماتها، فها نحن نشاهد كل يوم تقنية حديثة مما يجعلنا فخورين بهذا التطور الهائل وغير المفاجئ والذي يتبع سياسة دولة جعلت خدمة الحجاج من أولوياتها، ونجحت في إحداث نقلة نوعية وقفزة كبرى في خدمات الحج.
فلو تتبعنا الخدمات المقدمة في مواسم الحج خلال السنوات الماضية، نلاحظ التطور الكبير عامًا بعد عام؛ خاصة مع وجود وسائل التقنية الحديثة والأجهزة الذكية التي تم استغلالها وتطويعها لتساهم في تطوير خدمات هذه الشعيرة، حتى أصبحت الجهات الخدمية تتسابق في استحداث التطبيقات الذكية لإيصال خدماتها للمستفيدين والاستفادة منها بأيسر وأفضل الطرق.
فعلى سبيل المثال في المجالات الأمنية هناك العديد من التطبيقات الذكية التي اختصرت كل المسافات، منها مثلًا تطبيق (أبشر) لخدمات الجوازات والمرور والأحوال المدنية، وتطبيق (كلنا أمن) للإبلاغ عن الحوادث الأمنية والتجاوزات المرورية وأمن الطرق وتطبيق الدفاع المدني، وكذلك في مجال الأسواق التجارية هناك تطبيق (البلاغات التجارية) للإبلاغ عن التجاوزات التجارية والأسواق وتطبيق (بك نهتم) الذي به حزمة من الخدمات الإلكترونية التفاعلية للأغذية والأدوية والأجهزة الطبية.
أما وزارة الحج فقد أطلقت أيضًا العديد من التطبيقات الذكية التي تقدم خدماتها لضيوف الرحمن خلال رحلتهم المقدسة، ومن أبرزها تطبيقات خدمات الحج والعمرة وتطبيق مناسكنا الذي يقدم حزمة من الخدمات بسبع لغات مختلفة، وتطبيق قراءة أساور الحجاج والمعتمرين وتطبيق الحج خطوة بخطوة؛ إضافة إلى تخصيص البطاقة الإلكترونية التي تستخدم في المرور عبر بوابات الجوازات، ثم استخدام قطار الحرمين السريع الذي سيصل به إلى الفندق المسجل به سابقًا، كما تساعد على تحديد الموقع الجغرافي لأفراد المجموعة الخاصة بهم، والمسجلة على البطاقة الإلكترونية والتطبيق الذكي، والسوار الذكي الذي يساعد الحاج على تحديد عدد أشواط الطواف حول الكعبة لتجنبه الخطأ والنسيان، ويضم السوار الذكي كل المعلومات والبيانات الشخصية عن الحاج باستخدام تقنيات الذكاء الاصطناعي في الحج، والتسجيل في التطبيق الذكي المثبت على السوار، وكذلك سماعات الأذن التي تساعد الحاج على ترديد الأدعية والأذكار الخاصة، إلى جانب تطبيق ترجمان قارئ اللوحات الإرشادية بلغة الحاج، وهو أحدث ما توصل إليه العلم من تقنية ومن وسائل تمكِّن الحاج من أداء مناسكه باطمئنان.
وفي المجال الطبي والصحي هناك العديد من التطبيقات أيضًا مثل تطبيق (صحة) لتقديم الاستشارات الطبية بواسطة كوادر من الأطباء المتخصصين على مدار الساعة، وكذلك توفير المستشفيات الميدانية في المشاعر المقدسة المزودة بأحدث الأجهزة لتقديم الرعاية الطبية اللازمة بالتعاون مع هيئة الهلال الأحمر بواسطة تطبيق (أسعفني) الذي يمكن من خلاله تحديد موقع الحالة بالأقمار الصناعية، وتوفير الإسعافات الجوية والأرضية والدفاع المدني بمركبات متنوعة الأحجام، تستطيع الوصول إلى كافة المواقع.
أما في المجالات البلدية فقد قامت أمانة العاصمة المقدسة باستخدام أحدث التقنيات في مراقبة المطاعم وسلامة المواد الغذائية ومواقع الحلاقة، وجمع، وتدوير أطنان من مخلفات التموين، واستخدام الحاويات الذكية التي تعمل بالطاقة الشمسية، وكذلك الأنظمة الذكية لمتابعة تهيأة وتشغيل المرافق البلدية المختلفة.
وغير ذلك من التقنيات الذكية التي لا يمكن حصرها، والتي شملت كافة الخدمات الأمنية، والصحية، وخدمات النقل، والسكن، والإعاشة، والخدمات البلدية، وتهيأة الطرق والمرافق وغيرها من الخدمات التي فاقت كل المعايير العالمية بمراحل، وأصبحت الجهات تتنافس فيما بينها لتطويرها وابتكار أحدث الممارسات في أدائها، من أجل أمن وراحة الحجيج خلافًا عن المعتاد.
وختامًا أقول إن التحول الملفت الذي تشهده منظومة خدمات الحج أصبح ولله الحمد علامة بارزة من التطوير والتنظيم والتخطيط والتنمية الدائمة والشاملة التي تقودها حكومة خادم الحرمين الشريفين نحو خدمة ضيوف الرحمن، فأسأل الله سبحانه وتعالى أن يبارك هذه الجهود، وأن يجزي كل العاملين على راحة الحجاج الأجر والثواب، وأن يتقبل من الحجاج حجهم، ويغفر ذنبهم، ويعيدهم إلى أهلهم وبلدانهم سالمين غانمين.