حسن شعيب

قوة الحج الناعمة

وهكذا اكتملت لوحة الحج في أجمل صورة رسمتها أناملُ المملكة بألوان مليونين ونصف من حجيج بيت الله الحرام الذين اجتمعتْ أفئدتُهم بالمشاعر المقدسة وارتفعتْ أيديهم ولهجَتْ ألسنتُهم بالدعاء للمملكة بالرخاء والنماء وكلهم فخر بهذا الوطن الذي يحتضنُ البشرية نحو قبلة واحدة ورب واحد ورسول وحبيبٍ واحد يشهدون له بالرسالة الخاتمة في أمانٍ وسلام .

لا شكّ أن المملكة قلب العالم والعالم في قلب المملكة .. وكل مواطن ومقيم بها ينبض بالحب والسلام نحو العالم ، ويحمل دوره في هذه المكانة العالمية ! لسنا هامشاً ولا طرَفاً قصيّاً ؛ نحن مركز التأثير وبيدِنا خيرٌ كثير نقدّمُه للبشرية ، ورسالةٌ سامية بدأت ْمنذ قرون طويلة وباقية حتى قيام الساعة .

الحج قوة ناعمة خُصّتْ بها المملكة دون غيرها من بلاد العالم ، ومن أهم مصادر هذه القوة ما تكتنزه بلادُنا من إرثٍ وحضارةٍ ومركزٍ دينيٍ وتاريخيٍ يجعلُها غزيرةً بهذه القوة طوال العام حجاً وعمرةً ومعارض ولقاءات وسياحةً وثقافةً وعلماً وفناً ..

وحقاً ما غرّدتْ به الكاتبة هبة قاضي قبل أيام : “الحج ليس مجرد شعائر وطقوس بل هو فكر وثقافة ، فنون وجماليات تعزز روحانياته وتجعله مصدراً للإبداع الإنساني باختلاف ثقافاته وأشكاله ؛ لينتشر في كل العالم برسالاته العظيمة للبشرية جمعاء” .. والمعلومات قوة .. والتقنية قوة .. والدين قوة .. والثقافة قوة .. والفن قوة ؛ إذا أحسنّا توجيهها الإنساني بعيداً عن العصبية والعنصرية والطائفية !

لقد قامتْ مملكتنا الحبيبة بجهود جبارة منذ سنين طويلة في تحسين ورفع مستوى الخدمات والمشاعر المقدسة للحاج والمعتمر ، وهي في تطوّر دائم من سنة إلى أخرى ولم تتوانَ عاماً عن هذا ، وفي ظل هجمات التشويه الإعلامية الممنهجة فضائياً وعلى مستوى صفحات التواصل الاجتماعي الإلكترونية المتزايدة ؛ كان الردّ على أرض الواقع وفي إنسان المملكة بصورٍ حية لا تخلو من ذوق وسمو ورحمة ..

لقد عزّز أبناء الوطن ما تحمله المملكة من إنسانية وسلام للعالم من خلال إبراز ما يتمّ تشوييه وإخفاؤه بيد الأعداء والمغرضين جلياً بعين البصر والبصيرة ؛ فكانت الجهود شمساً لا يغطيها غربال ، وكانت أخلاق شعبٍ مُحب متسامح رسمَ وما زال الأجمل في التراحم والتآلف الإنساني !

مرّت أيام الحج بسلام وهي زاخرةٌ من قبل ومن بعد بمبادرات أبناء وبنات الوطن التطوعية في شتى المجالات ، تلك الجهود الشبابية كانت موجودة سابقاً لأعوام مضت ، ولكنّ تسليط الضوء عليها أتى متأخراً ، وبفضل صفحات التواصل الاجتماعي برزت مبادرات مبدعة وشباب وشابات رائعون يدفعهم شرف خدمة ضيوف الرحمن وكفى .

وليس المقام بالمقال لحصر تلك المبادرات التي تلاقي كل دعم وتشجيع وتكريم من المسؤولين بالمملكة ، ولكن استوقفني تقرير إعلامي عن مبادرة “الحضانات الموسمية” التي تستضيف أطفال الحجاج طيلة أيام الحج ، وما ضمته من أطفال من عدة قارات : من إندونيسيا ، وكندا ، والبرازيل وكينيا وغيرها من البلدان ، أضف لذلك وجود طفلة من مكة متطوّعة للعب مع أولئك الصغار بهذا الموسم هي الطفلة “لانا الفقيه” .. هذه البراعم هي الأجيال التي ستحمل رسالة حبللمملكة نُقشتْ بأرواحها الغضة ! يا ألله ما أجمله سلام تزرعه المملكة في فلذات الأكباد والأفئدة الهاوية للرحاب الطاهرة ، وكما قيل : كن الزهرة التي تفوح بدلاً من أن تكون مؤرّخ العطر ..!

هذه المنافع المشهودة للحج نلمسها تتسع آفاقها موسماً بعد آخر .. فلا ينبغي أن يبقى الحج موسماً للعبادة المجرّدة فقط بل يجب أن تمتدّ معانيه لتعزيز التراحم والتواصل بين الأمم ، أن يحمل رسالة الإسلام السمحة في العدل والمساواة والصفاء إلى العالم .. أن يشهد تلك المنافع العالم أجمع .. آمال وأحلام باتتتأخذ مكانها وتؤتي أكلها في رؤية المملكة 2030 ولله الحمد والمنة .

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى