قامت رؤية المملكة على ثلاثة مرتكزات رئيسة، هي: وطن طموح، مجتمع حيوي، واقتصاد مزدهر، العلاقة بين هذه المرتكزات عضوية ولا تنفك عن بعضها بحال، ولكي تتحقق هذه الرؤية كما أرادها مهندسها، يجب أن تعتمد على أساس متين قادر على إيجاد المخرجات التي تلبي التطلعات، هذا الأساس هو التعليم.
والتعليم أيضًا قائم على مرتكزات ثلاثة، هي المعلم، والمتعلم، والمقررات التعليمية، التي يفترض فيها أن تكون حديثة، ومواكبة للمتغيرات، ومحققة للأهداف المخططة سلفًا، فالدول المتقدمة تنظر للمناهج الدراسية بأنها تمثل قلب العملية التعليمية، فلا قيمة لأي تعليم لا تحقق مناهجه المعايير والاشتراطات العلمية والعملية، والمتطلبات العالمية الخاصة بجودة التعليم.
ولذا دأبت الدول المزدهرة تقنيًا واقتصاديًا على المراجعة الدورية لمناهجها؛ لتواكب التغيرات والتطورات التي تحدث حول العالم وتلبي احتياجات المجتمع، مع مراعاة جانب في غاية الأهمية حرصت هذه الدول على المحافظة عليه، وعدم إغفاله، بل وإعطائه الأولوية، وهو أن تُعنى هذه المناهج الدراسية عناية خاصة بالمحافظة على الهوية الوطنية وتعزيزها وتنقيتها مما لحق بها من تشويه أو نقص، وفي ذات الوقت تحصينها من الذوبان في هويات الآخرين، من خلال العناية بجودة الإعلام والتعليم.
وباستعراض سريع لأهم ثماني دول تميز تعليمها بالجودة، وتربعت على المراكز الأولى في هذا الشأن، نجد أن القاسم المشترك بينها وجود مؤسسات متخصصة أسند إليها تطوير المناهج التعليمية، وهو ما تحقق هذا العام الدراسي 1440/1441هـ؛ حيث كلفت وزارة التعليم – في خطوة تحسب لوزيرها معالي الدكتور حمد آل الشيخ- دارة الملك عبدالعزيز التي أنشئت بموجب مرسوم ملكي لخدمة تاريخ وجغرافية وآداب وتراث المملكة العربية السعودية والدول العربية والدول الإسلامية بصفة عامة، لإعداد مقررات الدراسات الاجتماعية، للبنين والبنات في جميع مراحل التعليم، وهو قرار صائب إذا اتجه مباشرة لمؤسسة علمية رصينة لديها الإمكانيات التي تؤهلها لتقديم كل ما يخدم العملية التعليمية من خلال امتلاكها لكنز كبير من الوثائق التاريخية والجغرافيا السعودية، مدعومة بقدرات محلية ذات خبرات عالمية.
وبنظرة سريعة لهذه المقررات نجدها قد نحت منحى جديدًا في اختيارها لموضوعاتها، وطريقة عرضها، مدعمة بالصور والرسومات، والملخصات التوضيحية، والأهم أن دراسة مقرر التاريخ في هذا العام الدراسي، ليس قصصًا تسرد، بل هو هوية وطنية تغرس في نفوس النشء، تربط حاضرهم الزاهر بماضيهم المجيد، فلسنا أمة طارئة على الكون، لنا تاريخنا الذي صنعه الآباء والأجداد بدمائهم وكفاحهم، حتى أوجدوا لنا هذا الوطن الذي نتفيأ ظلاله وننعم بخيراته، وأتى دورنا للمساهمة في بنائه، ونهضته، والحفاظ عليه.
ولعل من الأخطاء الشائعة ما ذكره سمو ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، بأن هناك من يحصر تاريخ الجزيرة العربية، بـ1400 سنة، وإن كان هذا التاريخ الإسلامي هو أهم مرتكزاتنا ومنطلقاتنا، ومصدر عزتنا، إلا أن تاريخنا أعمق بكثير ويتقاطع مع الكثير من الحضارات، وهو تاريخ قائم على القيم والمبادئ العربية الأصيلة التي يجب تخليدها وبيانها من خلال التعليم.
كما أن تاريخنا المشرف يقدم لنا عدة نماذج ملهمة صنعت المجد، فسيرة الملك عبدالعزيز-رحمه الله– سيرة عطرة مليئة بقصص الكفاح والإصرار والنجاح التي يجب استلهامها في التغلب على الصعاب وتحقيق النجاح لهذا الوطن بالتعليم والاختراع والإبداع في المجالات كافة، ولم تغفل المقررات الحديثة الجهود السعودية البارزة على المستويين الرسمي والشعبي في دعم القضية الفلسطينية اقتصاديًا وسياسيًا في جميع المحافل الدولية والمناداة بالحق الفلسطيني في إقامة دولتهم وعاصمتها القدس، كما سعت لإبراز دور المملكة ورعايتها لجميع الدول العربية والإسلامية، وهو دور مغفول عنه، فخلال ثلاثة عقود حفظت بلادنا خمس دول عربية فالكويت في عام1990، والبحرين في عام2011، ومصر ساندتها حتى لا تنزلق في الفوضى الهدامة التي أريد دفعها إليها في عام2011، واليمن في عام2015، وقبلها جميعًا اتفاق الطائف الذي حفظ كيان الدولة اللبنانية، ألا يحق لنا الزهو والفخر بتاريخنا!؟
وأما الجغرافيا فهي في هذا العام ليست كما كان يراها البعض كموقع وسكان وحدود، بل ستقدم بطريقة عصرية توضح التفاعل بين البشر والبيئة المحيطة بهم وتأثيرهما على بعضهما البعض، فالزراعة والملاحة البحرية والجوية، وسلوك البشر، والتنمية الاقتصادية، والتأثيرات السياسية كلها مرتبطة بعلم الجغرافيا بأقسامه المتعددة، والتي لم تولها المناهج السابقة ما تستحقه من عناية واهتمام، بالإضافة لاستعراض الموقع الاستراتيجي والتنوع المناخي والزراعي الذي أنعم الله به على بلادنا، وكيفية استثمارها بما يحقق رؤيتنا الطموحة.