د. فاطمة عاشور

عبق الحنين المعتق

سمعتها صدفة..
كلماتها تصدح بدفء..
عادت بي إلى الوراء مائة خطوة..
الأغاني والنغمات كالبشر.. تسم في وجداننا وسما كالوشم لايمحى..
كانت تدفع دم المراهقة في شراييني تأثرا..
واليوم بعد عقدين من الزمن فعلت ذات الصنيع..
و تدافعت معها قطرات أخرى تعانقت في محيط العين.. و افترقت حين تناثرت فوق وجنتي.. كذلك تأثرا..
ترى لم بكيت؟؟
حنينا للماضي وأهله؟
تحسفا على العمر و مروره؟؟
تذكرا لتجارب صاحبت وقع ذاك النشيد؟
لا أعرف..
بل أعرف..
هو الإنسان.. تتشبث مشاعره بأحجية الزمن محاولا أبدا فك شفرة الألم لمضيه.. فلا يفلح..
ربما الخوف من الفناء، يجعل مرور العمر اسفينا يدق في طمأنينة النفس..
ولعله اليقين الدائم بأن مامضى أجمل مما هو قائم و أروع مما هو آت..
ربما..
كل ما تعملق في صدري بعدها أن ترنيمة اللحن سكنتني كما الذكرى لحبيب فقدته..
وبيت المتنبي يهب في حناياي..

خلقت ألوفا لو رجعت إلى الصبا..
لفارقت شيبي موجع القلب باكيا

هذه الألفة تربطك بدسر إلى مكان اعتدته.. ومقعد في حديقة ألفته.. وكوب قديم حمل توقيع شفتيك فصاحبته..
مصحف أثير ذابت أوراقه ذبولا ولازلت تصر على أن تغرف من روعة البيان بقرائتك منه..
و محفظة بالية حتى الزمان لفظها ورفضها أكلا وشربا ولازلت تدسها في صدرك..
نجم سينمائي شهد طفولتك و مراهقتك وعشقته و هو جاهل بهذا العشق ولازلت تفعل..
تفاصيل وجه حميم لاجمال فيه و لابهاء.. فقط يحملك عنوة إلى تذكر لطيف لروح والدتك و مجلس أبيك فتظل تبتسم لمرآه..
تهدج صوت ملائكي يرتل القرآن كنت تسمعه في الصغر.. يخترق منك العظم تأملا و تألما.. إلى قيام الساعة..
شارع تمر به.. غير معبد ولاممهد يحملك إلى زمن آخر بدون آلة زمن..
حنين.. حنين.. لتفاصيل من بشر وغير البشر وجماد ومكان وزمان..
مررت بفترة كنت فيها أقوم بحمل عدة أشياء من خاصتي و أضعها بقربي أمام ناظري حين أنام واحتار والداي في تفسير تصرفي هذا لكني الآن أفسره تعلقا و حنينا..
بل إن التوق يطوف بك أحيانا في أحداث بعيدة في بلاد أخرى بعيدة لاتمسك .. تنكأ صفائح دمك وتداعب خلايا جسدك.. فقط لأنها واكبت مراحل من حياتك..
كل هذا السرد من أجل نغمة وكلمة لأغنية..
تحيتي إليها..
بعض البشر من دم ولحم وقد لايثير فيك حنينا إلا للملل ..

وهج:
مرت سنون العمر تدور كأنما ..
أضغاث أحلام قد زارتني في نومي

فاستيقظ الحذر المهدد أنك..
ها قد كبرت.. يزداد في لومي

لابأس إني خمسينية عبرت..
فخ التباكي على أمسي.. على يومي

هذا التفاؤل يسكنني و أسكنه..
أبقى شبابا حتى موعد الهرم

مقالات ذات صلة

تعليق واحد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى