صنفان من الغمز واللمز نجدهما أحيانًا في وسائل التواصل الاجتماعي. الأول يتمثّل بتهكم بعض أبنائنا بلهجات وعادات شعوب عربية أخرى، أو القدح في جنسيات معينة فقط لأنهم من تلك الجنسية، مما يغير الصدور ويزرع بذور الفتنة والشقاق بين الشعوب العربية في وقت نحن أحوج ما نكون فيه للتلاحم في ظل القلاقل التي تمر بها المنطقة العربية. الخلافات السياسية بين الدول تغذي هذا النوع من الغمز واللمز رغم أن السياسة كعادتها متحركة؛ فعدو الأمس قد يصبح صديق اليوم، وصديق الأمس قد يصبح عدوًا وهكذا.
الصنف الثاني من الغمز واللمز هو ما نسمعه أو نراه أحيانًا من القدح ببعض الأشخاص أو الأسر بسبب جذورهم؛ خاصة إذا كان اسم العائلة يشير إلى انتماء من خارج الجزيرة العربية. يقوم بذلك عادة أصحاب حسابات وهمية غير معروفين وأحيانًا بأسماء صريحة؛ فتجدهم يحطون من أصل فلان وعلان بالقول إنه غير سعودي أو غير عربي، أو أنه ممن وصلوا للمملكة قبل توحيدها ثم أصبحوا سعوديين.
ويتم القدح والحط من هؤلاء عندما يتسلم بعض أبناء هذه الأسر منصبًا كبيرًا، أو يكون محط أنظار الجميع بسبب شهرته أو منصبه، أو لكلمة قالها أو كتبها في وسيلة إعلامية.
كثير من أفراد هؤلاء الأسر قد تكون إقامة أسلافهم في هذا البلد ممتدة لمئات السنين ولا يعرفون غير المملكة انتماءً ولغة وثقافة. ويكفي الفرد من هؤلاء فخرًا أنه مسلم ولسانه عربي، وأنه جزء من النسيج الاجتماعي في هذا الكيان الذي نفخر جميعًا بالانتماء له. وحقيقة فإن ظاهرة الغمز بهذه الصورة مقلقة، وتنم عن عنصرية مقيتة، وضيق أفق، وعدم تسامح وعدم قبول ولا أقول “قبول الآخر”، ولكن قبول من هو منا عدا أنه قال أو كتب أو قام بشيء لانحبه. تكرار الغمز واللمز بهذه الصورة يعيق بلورة هوية وطنية جامعة، ويقدم لأعدائنا ما يساعد على شرذمتنا وتفتيت وحدتنا وتماسكنا الاجتماعي.
وطننا كبير وغني بثرواته وسكانه وتنوعه وثقافاته الفرعية، وهو يتسع للجميع، ولكل من يعمل بجد واجتهاد. نحن كبلد يشرف بوجود الحرمين الشريفين فهو مهوى أفئدة العالم الإسلامي وشعوبه، وبالتالي فوجود أسر وأعراق فيما بيننا ليسوا من أصول عربية، لكنهم اندمجوا في ثقافة بلدنا لايعيبنا ولايعيب أصحابها إطلاقًا؛ فهذا مصدر قوة بحكم أن التنوع العرقي والسلالي يخلق ثراءً اجتماعيًا وثقافيًا للمجتمع عندما نحسن إدارته، وننظر له من زاوية إيجابياته في إدارة بلدنا وتنميته.
وفيما يتعلق بالسلالة والنقاء العرقي الذي يجادل البعض بوجوده فقد بينت البحوث الأنثربولوجية الأخيرة واختبارات حمض الريب النووي DNA وبأدلة مضطردة أنه لايوجد شيء اسمه “سلالة نقية” بسبب تداخل واختلاط السلالات البشرية بمختلف تفريعاتها؛ فهناك على سبيل المثال من ينتمي إلى سلالة ما اسمًا، لكنه بيولوجي قد ينتمي إلى سلالة أخرى حسب بعض اختبارات الحمض النووي، وهناك كلام طويل في هذا الموضوع ليس المجال لعرضه وتفصيله.
وهذا الاختلاط ليس مما يعد عيبًا؛ فالشعوب والقبائل والأعراق تتمازج وتتداخل مع بعضها لأسباب مختلفة؛ كالأحلاف القبلية المعروفة التي من نتائجها أنها أحيانًا تدمج أسر أو بطون أو افخاذ من قبيلتين مختلفتين أو أكثر ليصبحوا قبيلة واحدة وهناك شواهد على ذلك تحدث عنها بعض اختصاصي علم الأنساب.
أختبارات الحمض النووي أيدت نتائج من هذا النوع وإن كان البعض قاموا بذلك من باب التسلية مع ما يكتنف الأمر من مشكلات قد تنشأ بين أبناء العشيرة الواحدة في بعض البلدان. كل ذلك يدفع للقول إن قضية نقاء الأصل قد تكون أسطورة أو myth كما يؤكد كثيرًا من علماء السلالات البشرية المعاصرين.
والسلالات البشرية كما هو معروف تنقسم إلى ثلاث هي سلالة القوقاز (البيض) وسلالة الزنج (السود) وسلالة المغول (الصفر) ولكن أكثر الأنثربولوجيون يؤكدون أن هناك تداخلًا بين هذه السلالات، وأنه يصعب الجزم بوجود من ينتمي مثلًا إلى السلالة القوقازية دون أن يخالط أصوله شيء من السلالتين الأخريين بحكم أنهم يقسمون السلالة القوقازية إلى أكثر من خمسين قومية وإن هذا التقسيم لم يأتِ اعتباطًا؛ بل نتيجة للتداخل والتزاوج بين السلالات وفروعها.
والعرب عمومًا يدخلون ضمن السلالة القوقازية التي تشمل كذلك سكان وسط آسيا وأوروبا ومناطق أخرى، لكن كما ذكرت لايوجد اتفاق تام بين معظم الأنثربولوجيين حول هذه المسائل الشائكة.
وحقيقة فإن ديننا الإسلامي حافل بالنصوص التي تشير إلى الاختلاف بين البشر، ومن ثم ضرورة تعارفهم وتقاربهم وأن يكون معيار التمييز بينهم بالتقوى والعمل الصالح وليس بنقاء العرق أو المحتد أو السلالة؛ فطالما كان الإنسان مسلمًا وتقيًا فهذا يعد معيارًا فاصلًا للتفريق بين البشر. ما يضعه البشر من تصنيفات هو محل شك، وما سنه الله يبقى هو الحق.
الأستاذ خالد
كل التحية لك.