قال الامام مجد الدين الفيروز آبادى عن جبل أحد في تاريخه المغانم المطابة : تعلق النبى بحبه إسما ومسمى ، فخصه من بين هذه الجبال بأن يكون معه فيالجنة (إذا بست الجبال بسا) ثم قال : وفى أحد قبر هارون أخى موسى عليهماالسلام وفيه قبض ، ثم واراه موسى عليه السلام ، وكانا قد مرا بأحد حاجين أومعتمرين . رواه الزبير بن بكار عن النبى مسندا (1).
وتعرض للموضوع العلامة أحمد بن عبد الحميد العباسى من علماء القرنالعاشر حيث ، قال في تاريخه : وقال الشريف في تاريخه : إن أهل المدينة إلىالآن ، يعلمون الخلف عن السلف : أن هارون عليه السلام مدفون بأحد إنتهى (2).
وأثناء هذا البحث عثرت على روايتين أخريتين مشابهتان تدلان على أن قبرسيدنا هارون عليه السلام كائن على جبل أيضا بأرض التيه ورواهما الامام أبواسحق النيسابورى في تفسيره الكشف والبيان ، والامام البغوى في تفسيره ،والعلامة اسماعيل حقى في روح البيان . أحدهما عن عمرو بن ميمون ، قال : كانوفاة موسى وهارون في التيه ومات هارون قبل موسى . فكانا خرجا في التيه إلىبعض الكهوف ، فمات هارون ودفنه موسى وانصرف إلى بني إسرائيل ، فقالوا : ما فعل هارون ؟ قال : مات ، قالوا : كذبت ، ولكنك قتلته لمحبّتنا إياه ، وكان محببافي بني إسرائيل . فتضرع موسى إلى ربّه وشكا ما لقي من بني إسرائيل ،فأوحى اللّه عزوجل إليه أن انطلق بهم إلى قبر هارون حتى يخبرهم أنه مات موتاولم تقتله ، فانطلق بهم إلى قبر هارون فنادى : يا هارون ، فخرج من قبره ينفضمن رأسه ، فقال : أنا قتلتك ؟ قال : لا واللَّه ، ولكنّي متّ ، قال : فعد إلى مضجعكوانصرفوا (1).
والرواية الثانية ذكرها الامام البغوى في تفسيره عن السدى ، قال
: أوحى الله عز وجل إلى موسى أني متوفي هارون ، فأتِ به جبل كذا وكذا ،فانطلق موسى وهارون عليهما السلام نحو ذلك الجبل (2).
فالروايتان تتفقان مع روايات ابن شبة وابن زبالة وابن النجار في كون قبرسيدنا هارون عليه السلام يقع على جبل ، وأن سيدنا موسى عليه السلام هو الذىتولى دفن أخيه هارون عليه السلام و حضر وفاته ولكنهما تختلفان في تعيين مكانه. ومع ذلك فإن الروايتان موقوفتان أو مرسلتان ، ومدارهما على السدى وعمرو بنميمون لا غير . ورواية عمرو بن ميمون ظاهر على متنه النكارة ، ولذلك فلا يمكنالإعتماد عليهما لأنهما قد تكونان من الإسرائليات التى ليس لها شاهد من أخبارنا، بينما رواية جبل أحد ، فقد وردت في روايتين مرفوعتين الى رسول الله بأسانيدمختلفة يمكن الإعتماد عليها أو الاستئناس بها ، والرواية الثالثة موقوفة على الزبيربن بكار على ما قرره الامام ابن حجر و مسندة على ما قرره الامام مجد الدينالفيروز أبادى كما سبق .
وعليه : نفهم من كلام الحافظ محب الدين ابن النجار في تاريخه الدرة الثمينه ،والامام شهاب الدين ابن حجر العسقلانى في فتح البارى لشرح صحيح البخارى، والامام بدر الدين العينى في عمدة القارى لشرح صحيح البخارى ، والامامالمجد الفيروز آبادى في المغانم المطابة في معالم طابة ، والامام السيد السمهودىفي خلاصة الوفا دون وفاء الوفا : أنهم مقتنعون جميعا من وجود قبر سيدنا هارونعليه السلام بجبل أحد بالمدينة المنورة ، وصرحوا بذلك دون اعتراض . فضلا عنالعلامة أحمد بن عبد الحميد العباسى في تاريخه عمدة الأخبار : فجزم علىتوارث أهل المدينة علم وجود قبر سيدنا هارون عليه السلام بالمدينة على جبل أحدخلفا عن سلف .
وبناء على ذلك أقول : إن وضع القبة من حيث كونها قبرا لسيدنا هارون قديحتاج الى المزيد من الدراسة ، وأما وجود قبر سيدنا هارون عليه السلام بجبلأحد فقد بات مؤكدا بناء على ما سبق ايرادها من آثار وأخبار ، ولا سيما فإنهارفعت الى رسول الله .
وأما خبر القبة : فقد بناها رجل من الصالحين في حيات الامام السمهودى فيالقرن التاسع من الهجرة الشريفة كما أكد ذلك الامام السمهودى في تاريخه وفاءالوفا حيث ، قال : إن في جبل أحد شعب يعرف بشعب هارون ، يزعمون أن قبرهارون عليه السلام في أعلاه ، وهو بعيد حسا ومعنى ، وليس ثم ما يصلح للحفروإخراج التراب . وفى أعلى أحد بناء اتخذه بعض الفقراء قريبا ، والناس يصعدوناليه (1).
وهنا أقول : فقد يكون الرجل بناها لدلالة معينة ، أو أشير اليها في منامه بأنثمة قبر هارون عليه السلام فبناها وكلف نفسه بها وهو فقير الحال ، والله تعالىأعلم ..
وأما القول : بأن هذه القبة مما أنشأتها الدولة العثمانىة كثكنة عسكرية أوكبرج للمراقبة فكلام فارغ عن المحتوى . وينسفه كلام الامام السيد علىالسمهودى تماما وينقض تلك الأقاويل الهزيلة التى تفنن في اطلاقها البعضجزافا دون دليل يسندها . والصحيح هو ما أفاد به الامام السمهودى في وفائه : أن القبة بناها رجل من الزهاد على قمة جبل أحد في حياته . ومن المعلوم أن الامامالسمهودى توفى سنة (911) للهجرة الشريفة , ولم تستلم الدولة العثمانية حكمالحرمين الشريفين الا في سنة (923) للهجرة الشريفة . وهذا يدل على أن القبة بنيت قبل الحكم العثمانى للحرمين الشريفين بنحو خمسين سنة تقريبا في حياةالامام السمهودى في القرن التاسع للهجرة الشريفة . وأما رأى الامام السمهودىرحمه الله في استحالة الدفن هناك حسا ومعنى ، والذى علله بصعوبة الحفر فيالمكان أقول : هؤلاء أنبياء الله عليهم والسلام ، فإن الله إذا أراد لهم أمرا فلايستحيل عليه شئ ، ولا يستبعد أن الله تعالى أراد تشريف جبل أحد بقبر رسولمن رسله مثل سيدنا هارون عليه السلام ، ولا غرابة طالما أن هناك ما يؤيد ذلكويدل عليه
وبناء على ما سبق إيرادها من الأدلة والحقائق ، وبعد البحث المضنى توصلتللخلاصة التالية :
(1)ترجيح : وجود قبر سيدنا هارون عليه السلام بجبل أحد .
(2)بطلان القول : بأن القبة الواقعة بقمة جبل أحد منسوبة لرجل من الجيشالعثمانى اسمه هارون .
(3)بطلان القول : بأن القبة من بناء الجيش العثمانى .
(4)بطلان القول : بأن هذه القبة كانت برجا عسكريا.
السلام عليكم وبارك الله فيكم وفي جهودكم المثمرة
أود تكرما ارشادي عن مكان وجود كتبكم الخاصة عن المدينة المنورة للأطلاع عليها أو شراءها وجوزيتم خيرا .