التعليم هو بوابة العبور للمستقبل , والإخفاق فيه لا يعني فقط الفشل في كل مناحي الحياة ! بل تصبح هوية المجتمعات وسيادة الأوطان واستقلاليتها مهددة ؟! وإذا بقيت ثقافتنا في عالمنا العربي , و مدارسنا , ومناهجنا , تقتل الإبداع وروح المبادرة , وتعزز الاتجاهات السلبية نحو العلم والعلماء ستزداد الفجوة مع العالم الأول و المتقدم ؛ هوّة واتساعاً ؟!
فنلندا و وفقا لتقرير التنافسية العالمية أصبحت عام 2015 أقوى دولة في التعليم عالميا , ونظرة سريعة للمقارنة و على سبيل المثال : بين التعليم في السعودية وفنلندا , تكشف الكثير من المفاجآت ؟
فنسبة الإنفاق على التعليم من إجمالي الدخل القومي ومنذ عام 1970م وحتى العام 2017م بحسب الاحصاءات تميل لصالح السعودية ؟! وكانت النسبة منذ عام 2000م في المملكة ثابتة وهي 7.2 % من الدخل القومي في حين تراوحت في فنلندا في ذات الفترة ما بين 5.4 إلى 6.4 % من الدخل القومي.
كما تشير الاحصاءات أن المملكة أنفقت على التعليم من مخصّصات الميزانية خلال عقد ( 2003 ـ 2013مـ) نحو 1.21 تريليون ريال !
كما بلغ إنفاق السعودية على التعليم من عام (1437ـ 1438هـ ) وحتى العام الحالي (1440ـ1441هـ) ما يزيد على 506 مليار ريال , ووصل عدد المبتعثين نحو 170 ألفًا يصل حجم الإنفاق عليهم سنويا نحو 15 مليار ريال .
هذا بخلاف إنفاق الأسر السعودية , والذي يبلغ بحسب ما أشارت إليه الهيئة العامة للإحصاء في العام 2017م ما يقارب الـ 8.21 مليار ريال على التعليم والتدريب سنويا , بينها 752 مليونًا للدروس الخصوصية ؟!
و السؤال : لماذا رغم كل هذه الاستثمارات التي ضختها المملكة في قطاع التعليم لم تتحقق النتائج المرجوة ؟ هذا سؤال كان ينبغي أن يجاوب عليه كل وزير للتعليم خاصة الوزير الحالي معالي الدكتور حمد بن محمد آل الشيخ , الذي اكتفى بالتصريح أن المملكة تخصص ربع ميزانيتها للتعليم , وهذه حقيقة يعترف بها الجميع حتى الوزراء الذين سبقوه , وكان يُتوقع من معاليه ألا يقف عند وصف الواقع ! بل يُفترض أن يقدم كشف حساب بكافة الأسباب , التي جعلت نتائج التعليم في المملكة متواضعة ! ولا تتوافق مع ما تسخره من ميزانيات ؛ حتى لا تتكرر أخطاء الماضي ؟! لقد أحصى مغردو تويتر على الوزراء السابقين لمعاليه تسعة قرارات هامة ؛ لكن كلما جاء وزير ألغى ما أقرَّه السابق أو أقرَّ ما سبق أن ألغاه ؟!
من أبرز ما يمكن تعلمه من تجربة فنلندا , هو أن سياسة التعليم لا تخضع لرؤى معالي الوزير ولا تتغير أو تتبدل بتغير شخصية المسؤول ؟! فسياسة التعليم تسير وفق رؤيا واضحة تنفذها برامج متدرجة , ويشارك في صياغتها الأسرة والمدرسة , كما أن تطور نظام التعليم في فنلندا لم يحدث طفرة أو بأسلوب الصدمة , بل أخذ وقته وشارك فيه خبراء ومتخصصون في التربية وعلم النفس وعلماء الاجتماع , ووضعت المناهج وفق معايير تحفز على غرس قيم : قبول الآخر , التسامح , التعدديّة , وتعزز الولاء والانتماء , وتسهم في تنمية شخصية الطالب : الاجتماعية , العقليّة , البدنيّة , النفسيّة والروحيّة , كما حرص نظام التعليم في فنلندا على مراعاة حاجات , وميول , وقدرات المتعلّمين منذ طفولتهم .
ونعود إلى التعليم في المملكة , وقد كشفت تصريحات معالي وزير التعليم الحالي أن الواقع يحتاج فعلا لجردة حساب ، إلى مجلس أعلى للتعليم يشكل من عدة جهات لإعادة ترتيب البيت من الداخل ووضع خارطة طريق للمستقبل لمواكبة رؤية المملكة 2030 ؟
و أسرد بعضا مما قاله معاليه : فوجئت بفروقات العلاوة السنوية وعاتبت النائب والوكيل والمتحدث! المشرف سُلب دوره وشُغل بأعمال إدارية ! إسناد التقييم للقادة والقائدات مجاملة وإجحاف! استلمنا هياكل بعض ادارات التعليم السابقة عبارة عن “قص ولزق”! أعفيت 11 وكيل وزارة بعد منحهم الفرص ! انجزنا هياكل الوزارة والإدارات في شهرين! واجهت ضغوطاً ومنغصات عديدة ولم أستسلم ! الخلل تجاوز الوزارة إلى الملحقيات وطغت المحسوبية !
و أختم مستشهدا بمقولة لمعاليه : نحن أمام جيل سيحاسبنا على التقصير؟