المقالات

اليابان تضع خارطة طريق جديدة في طب العيون باستخدام الخلايا الجذعية

الخلايا الجذعية الجنينية هي مصطلح أطلقه العلماء على تلكالخلايا التي تتكون في الأيام الأولى من تخلق الجنين. وقد منح الله هذه الخلايا قدرة عجيبة على التضاعف والتمايز في مسارات عديدة منتجةً جميع أنواع الأنسجة والخلايا التي تنتهي بمخلوق كامل الصفات. هذه الثورة العلمية قادت العلماء للنظر إلى هذه الخلايا كمصدر واعد وطريق جديد في عالم الطب أو ما يسمى بالطب التجديدي.

إلا أن هذه الانطلاقة الجديدة أرهقتها الكثير من التحديات أولها الجانب الأخلاقي الذي يحيط بهذه النوع من العلوم إذ لا سبيل للحصول على هذه الخلايا إلا من خلال قتل الأجنة التي تتطوع بها أحد الأسر أو من فائض الأجنة التي يتم تلقيحها خارج الرحم لأغراض التلقيح الصناعي.

إلا أن هناك عالمًا وطبيبًا يابانيًا يدعى شينيا ياماناكا فكر بطريقة مختلفة، وكان يعتقد بأن هناك مسارًا يمكن لخلايا الجسم أن تعود فيه لأصلها وهو الطور الجنيني. وبالفعل بعد تجارب مضنية تعرف على تلك العوامل التي بإمكانها تستحث الخلايا،وتبرمجها لتعود بشكل عكسي إلى طورها الأصلي. بمعنى آخر أن كل خلية في جسدك يمكنها أن تعود لأيامها الأولى عندما كانت جنينًا، ومن ثم تعود وتوجهها لطريق جديد لتنتج نوع محدد من الخلايا سواءً كانت خلايا عضلية أم عصبية أو أي عضو أو نسيج آخر. ويعد هذا الاكتشاف العظيم أحد ثورات الطب وأعظمها تأثيرًا. لذلك بدأت تنهال عليه الجوائز العالمية من كل مكان نظير هذا الخرق العلمي الجديد، ولم تجد لجنة جوائز نوبل بمعهد كارولينسكا السويدي منح جائزة نوبل في الطب لعام ٢٠١٢ إلا للدكتور ياماناكا مناصفة مع العالم البريطاني جون غوردون. وهي نفس السنة التي كنت أقوم فيها بتلك التجارب أثناء دراستي لمرحلة الدكتوراه بالمملكة المتحدة فكانت من أمتع التجارب وأقربها إلى قلبي.

فان طلق الباحثون يستكشفون تلك المسارات المذهلة، وبدأت المعلومات تتدفق من كل حدب وصوب فتجد مجموعة من الشرق أنتجت الخلايا العصبية بمختلف أنواعها و مجموعة أخرى بالغربتبحر في إنتاج خلايا الدم بمختلف مكوناتها ومعمل آخر ينتج خلايا قلب نابضة وآخرين يتفاخرون بطباعة كلية بشرية بواسطة طابعة ثلاثية الأبعاد حبرها هو الخلايا الجذعية. فالكل يريد أن يحرز قصب السبق، ويريد أن يضع بصمته في التاريخ، ويجنيالثمار الاقتصادية منها.

وفي تلك الأثناء كانت هناك مجموعات متطفلة- ومازالت– تريد أن تقطف تلك الثمار سريعًا فبدأوا يسوقون لتلك العيادات الوهمية التي بلغ عددها بالمئات حول العالم؛ خاصة تلك التي لا تخضع بلدانها للرقابة الشديدة والأنظمة الصارمة الدقيقة تحت ما يسمى بالسياحة العلاجية. فهي تسعى بذلك للربح السريع مستغلة البريق الذي يحيط بهذا المجال، ولا يوجد في الغالب أدلة تثبت قدرتها على العلاج أو سلامتها على المرضى، وعدم حصول أي مضاعفات أو مخاطر.

أما عن اليابانيين فقد احتضنوا موهبة عالمهم ياماناكا، وأسسوا له مركزًا رائدًا بجامعة كيوتو، وواصلوا عملهم بصمت متجاهلين كل المخذلين وخاضوا غمار البحث وفق منهجية عملية دقيقة يؤازرها الدعم السخي لهذه الأبحاث من قبل الجهات المانحة. وانتقلوا بتسارع ملفت من الدراسات المعملية إلى الدراسات السريرية الإكلينيكية، وحققوا نتائج مبهرة يشاهدها كل من حضر المؤتمرات والمناسبات الطبية العالمية.

وهذا الأسبوع حصدت اليابان أول ثمرة تلك الجهود بإعلانهم في تصريح صحفي مقتضب عن نجاح أول عملية زراعة قرنية عين مستمدة من خلايا جذعية مستحثة ومبرمجة بنفس الطريقة التي ابتكرها ياماناكا.

فقد قام الفريق بزراعة القرنية لامرأة في العقد الرابع من عمرها واستعادة بصرها بشكل جزئي. وكما هو معلوم فإن المصدر الوحيد للتبرع بقرنية العين هو الحصول عليهامن متبرع متوفي، وهناك شح كبير وقائمة انتظار طويلة خاصة في ظل تنامي مرضى السكري … لذلك إصرار اليابانيين قادهم للخروج بحل جذري في تاريخ طب العيون باستخدام الخلايا الجذعية. وأما الآن من السهولة بمكان على البقية الركض وراءهم، ونقل هذه التقنية وتطويرها وجني ثمارها الاقتصادية

أستاذ مشارك – جامعة الملك عبدالعزيز

باحث في الخلايا الجذعية

Related Articles

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back to top button