قبل أن نوجه التهنئة لمعالي الأستاذ، مازن الكهموس بمناسبة صدور الأمر الملكي الكريم بتعيينه رئيسًا للهيئة الوطنية لمكافحة الفساد، ندعو الله أن يوفقه ويعينه على حمل الأمانة، فالهيئة ليست وزارة أو هيئة خدمية يمكن إدارتها بقرارات توزع الصلاحيات بين الوكلاء ومدراء العموم، فهي هيئة مسؤولة عن مكافحة الفساد والقضاء عليه، ومنح المواطنين حقوقهم كاملة.
وأمام معاليه امتحان صعب؛ خاصة وأن سمو ولي العهد وجهه بإعلامه “عن أي وزير لا يتعاون مع الهيئة في المرحلة المقبلة”، وعدم تعاون الوزير، واستئصال الفساد وسط الموظفين الحكوميين المتوسطين والصغار، يفتح ملفات مغلقة، أحكم إغلاقها البعض من أصحاب المعالي الوزراء الذين سعوا لاستقطاب أصدقائهم وزملاء دراستهم فعينوا بعضهم بوظائف قيادية بعد أن تم تجميد موظفي الوزارة الرسميين، وعينوا الآخرين مستشارين رغم تجاوزهم السن القانونية، ومنحوهم مرتبات تفوق تلك التي كانوا يتقاضونها أثناء عملهم الوظيفي.
وتصريح معالي رئيس الهيئة لقناة العربية والذي قال فيه: “بعد أن تخلصت البلاد بنسبة كبيرة من الرؤوس الكبيرة الفاسدة، أنقل تحذيرًا شديد اللهجة من ولي العهد؛ حيث وجهني بأن المرحلة القادمة ستكون لاستئصال الفساد وسط الموظفين الحكوميين المتوسطين والصغار الفاسدين منهم فقط”، يعني أن أمام الهيئة العديد من الملفات المليئة بالتجاوزات، والتي نأمل أن يتم فتحها وفحصها وتحليل محتوياتها، كملف تطبيق المنح على الحدائق العامة، وملف هروب أعضاء هيئة التدريس من العمل الجامعي، والتوجه للعمل بالوزارات معارين لمدة عام لتصبح أعوامًا، أو توجه بعضهم للعمل كمستشارين أو أعضاء لجان أو أعضاء مجالس إدارات بمؤسسات أو شركات بتفرغ جزئي أو كلي، وإهمال الطلاب وترك العمل الجامعي.
وقد يكون ملف المشاريع المتعثرة واحدًا من أصعب الملفات التي نأمل من معالي رئيس الهيئة فتحه؛ خاصة وأن الهيئة قد حددت في عام 2016 تسعة عشر سببًا للفساد في المشروعات الحكومية، من أبرزها الواسطة والمحسوبية، وغياب التخطيط، وعدم وضوح الرؤية أثناء مرحلة الدراسات والتصميم، ولم نرَ نتائج تلك الأسباب حتى تاريخه.
ولا يمكن القول بأن تعثر المشاريع ناتج عن ضعف امكانيات المقاول، فهناك مشاريع يتم تنفيذها من قبل مقاولين جيدين، غير أن اللجنة المشرفة ترى ضرورة استمرار العمل بالمشروع فترة أطول لضمان استمراريتهم في عضوية اللجنة.
وهناك مشاريع يتم تنفيذها بشكل مخالف للشروط والمواصفات التي حددت أثناء طرح المناقصة، وهذه تفتح أبوابًا لا بابًا في التلاعب بالشروط والمواصفات التي نأمل أن يكون للهيئة دور قوي في القضاء عليها.
أما ملف المحسوبية في التوظيف بالقطاع الحكومي، فإن كان يدخل في دائرة الفساد لأنه بات وباءً منتشرًا في العديد من القطاعات الحكومية، إذ غاب المؤهلون للعمل وحضر الأصدقاء والأقارب، وأصبحوا يحظون بالأولوية في التوظيف حتى وإن كانوا أقل كفاءة من نظرائهم المتقدمين.
ولا يمكن مطالبة معالي رئيس الهيئة بالقضاء على الكثير من القضايا، لكننا نأمل أن يسعى معاليه للمطالبة بتحديث نظام مكافحة الرشوة، والتشهير بالمرتشين، فهم الداء الذي أضر بالمواطنين من ذوي الدخل المحدود.