لا يخفى على ذي نهى أهمية التعليم الذي كان الاهتمام به حاضرا في الكلمة الأولى في التكليف بالدعوة و حمل مشعل النور للبشرية (إقرأ) حيث شملت نطاقا أوسع بمراحل من محض القراءة العادية فهذا الدين بل جميع الأديان السماوية وكلها تعني الإسلام تتسم بإعمال العقل لاتعطيله و تحقيق الإنجاز وتقديس المعرفة و العمل وإلا ماكان الهدف المزدوج لخلق الإنسان هو عبادة الله وتعمير الأرض بمنهجية الله و بلا تعلم و تعليم و عمل لاعمارة للأرض.
ولاشك أن هذه البلاد قطعت شوطا معجزا في تطوير التعليم وتحسين مميزاته و مخرجاته و سياسته كما و كيفا و لاننكر اهتمام قادة وطننا الكرام بالتعليم و رفعة المجتمع علميا وفكريا، وبذل الغالي و النفيس في سبيل ذلك، كما نقدر الجهود المبذولة دوما في التخطيط والتحسين و الإصلاح المستمر.
وفي جميع المجتمعات المتقدمة تبنى الخطط التربوية على أسس ثلاث : أولها له علاقة بالأهداف العامة للدولة و ثانيها يتعلق بإشباع حاجات الأفراد و الجماعات وثالثها مراعاة المذهبية و المرجعية الفكرية والروحية والاجتماعية و النفسية التي تصنف عناصر ذلك المجتمع وتميز أفراده، وعليه فإن الخطة التربوية و السياسة التعليمية الناجحة هي التي تحقق النجاح في الثلاث معايير على حد سواء.
و في وزارة تعليمنا الحبيبة لمسنا عبر السنوات بما لايدع مجالا للشك وجود النوايا الطيبة والرغبة الحقيقية للتغيير نحو الأفضل لكن ذاك لايكفي إلا إذا تم وفق إطار من التخطيط السليم المدروس، و الذي يقوم عليه كما يجب زمرة ممن يحسنون صياغة الأهداف نظريا بصورة تناسب الثلاث أسس و تحقيقها تطبيقيا بصورة تضمن لها السداد.
وهذا مايبرز لنا بعض نقاط الضعف في وضع الخطط التربوية والدراسية و تفاصيلها من حيث الغرض ومن حيث التنفيذ.
فكم من قرارات و تعميمات وضعت ثم ثبت فشلها بعد برهة فألغيت، وكم من أهداف نفذت وهي لاتتناسب مع الأسس المذكورة وكم من أهداف هامة خطط لها لكنها ضاعت و اضمحلت في مرحلة الواقع.
ومن زمرة هذه القافلة من الفروضات التربوية و الدراسية مسألة الدمج ، والدمج ليس اختراعا عصريا أوجدناه للتو بل هو قضية تناقلتها ثقافات و مجتمعات كثيرة من قبل فمثلا في أمريكا قام بوش في منتصف الثمانينات بتقديم مشروع وطني لتخفيض التكلفة الدراسية وإقامة الدمج بين طوائف المجتمع لديهم ، وفي الهند وفي كثير من الدول، لكن كل هذه المشروعات و الاستراتيجيات كان لها أسبابا منطقية على الأقل من وجهة نظر مسؤوليهم منها محاولة دحر الطائفية وتحقيق الاندماج الاجتماعي بين السود و البيض والآسيويين والمنحدرين من أصول أوروبية واليهود والمسلمين في أمريكا وبين الطوائف الدينية المختلفة في الهند كذلك، وفي مراحل أخرى في دول كثيرة قامت المناداة بالدمج للتخلص من التمييز العرقي و العنصرية ، ثم ظهرت المطالبة بالدمج من أجل خرط ذوي القدرات والإعاقات الخاصة بالطلاب العاديين في المدارس
.
إذن كان لتلك العمليات الدمجية أسباب جوهرية هامة وأهداف تحقق وئاما وطنيا، وعندنا تم الدمج منذ سنوات بين التعليم العام و العالي لتحقيق أهداف منها ماهو فاعل بالفعل وتم دمج التربية الخاصة بالعامة لأسباب إنسانية واقتصادية، كل ذلك لاغبار عليه و يستحق الإشادة..
لكن…
القرار المتخذ بمسالة دمج البنين بالبنات في الصفوف الأولية يصيبني بالحيرة الشديدة فليس هناك أي أسباب منطقية أو محبذة يرمى إليها بهذا الدمج لافكريا ولانفسيا ولا اجتماعيا ولاعقليا ولا حتى تحصيليا، فلا دراسات نفسية هامة تؤيد عملية خلط الصغار من الجنسين ونتائجها تدل على رفع نسبة الذكاء مثلا أو تحسين المخرجات بهذا التصرف، كما أن الأصوات الناعقة بأن فوائد هذا الدمج تعود بالخير على الجنسين لتعويدهما على بعضهما البعض وتحطيم الحاجز النفسي، وتحقيق (الأنسنة) بدلا من التمييز الجنسي ، نرد على ذلك بأن الحواجز أزيلت بالفعل منذ سنوات في مجالات عدة وأن هذا الخلط سينتح عنه مشكلات قد تفوق الإيجابيات المتوقعة بدهور، نقول أيضا أن الدول التي اعتادت الدمج منذ إنشائها اتخذت خطوات شجاعة مؤخرا في الفصل نتيجة لدراسات عدة أثبتت فشل الدمج وعدم فعاليته بل لوجود مخالفات حقيقية تصل إلى درجة التحرش وانعدام الأدب و البلوغ المبكر نفسيا مما أدى لحدوث جرائم قيمية في مدارسهم وخارجها.
إذن، لماذا تم الدمج؟ قرأت و اطلعت كثيرا على تصريحات المعنيين و لم أجد إجابة شافية مقنعة سوى عبارة سنمضي قدما لتحقيق الأهداف والتي قالها أيضا سمو أمير الرياض حين سئل عن ذلك!.
نعود إذن بعد استعراضنا لعدم وجود أهداف هامة تدفع لعمل الدمج لمسالة مراعاة الأسس الثلاث لأي خطة تربوية فنجد بأن الدمج بين الجنسين قد يحقق أهداف الدولة ربما للتخفيف الاقتصادي من حيث التكلفة ولكن الأساس الثالث وهو المرجعية الفكرية للمجتمع هنا أغفل تماما، فهذا المجتمع معياره هو الشريعة لجل أفراده و يؤمنون بعدم خلط الجنسين بهذه الطريقة استعدادا لتقديمهما لمرحلة البلوغ، ناهيك عن أن هناك شرائح كثيرة لاترضى بالاختلاط جملة وتفصيلا من حيث العرف ، كما أن المجتمع بحاجة في ظل انقشاع سحابة الحياء واللياقة الناتج عن سيطرة وسائل التواصل إلى تقليل فرص الاحتكاك بين الجنسين لا زيادتها، أضف إلى ذلك شكوى أهل الدار أنفسهن وهن المعلمات من مسألة وجود البنين مع البنات وتدريسهن لهم وظهور مشكلات عديدة .
إذن لوضع خلاصة لجميع ماسبق نقرر بأننا لسنا ضد أي قرارات تتخذها الوزارة ونساند رؤى الدولة للتطوير بل نسعى إليها بأرواحنا على أن يكون المعيار هو مراعاة الأسس الثلاث وأن يحقق فائدة مضافة و ملموسة ولا يخلق فوهات من براكين تقدح في التوازن الاجتماعي و الخلفية الفكرية عند عناصر هذا البلد، فالحمدلله ليس لدينا طائفية لنعالجها بالدمج ولا عرقية تحل به، فتقرير الدمج كنوع من الحلول التي قد يراها البعض تحضرا وتحضيرا للمستقبل إنما هي فكرة مبهمة الهدف محكوم على إنجازها بالشك وعلى فائدتها ومردودها بالغموض فلا فائدة ترجى منها لتحقيق رفعة علمية أو مجتمعية ناهيك عن أضرارها المتوقعة.. لذا نطالب قادتنا التربويين في التعليم بإعادة النظر في تطبيق الدمج مع وافر الولاء لكل مسؤول أمين ووافر الحب لبيتنا الأكبر.