استبشر الناس بصدور البيان المشترك الإلحاقي عن المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة، الذي أكدتا فيه الاستمرار والمضي في الوقوف إلى جانب تحالف دعم الشرعية، حتى يعود اليمن آمنًا مستقرًا إلى مكانه الطبيعي، وبهذا يكون الإعلان قد أخمد نار الفتنة، فقصم ظهر من سعى في إيقادها. البيان حذر الأطراف التي كادت أن تقع في براثن الفتنة من العودة إلى الأعمال والنشاطات العسكرية، ووقف التصعيد الإعلامي الذي يذكي الفتنة، ويؤجج الخلاف بجميع أشكاله ووسائله، وهذا هو لب المشكلة.
إن أعظم فتنة مرت على الأمة الإسلامية، وأحدثت من الآثار الوخيمة ما لا يخطر على بال، فتنة الخروج على الخليفة الراشد عثمان بن عفان (رضي الله عنه)، ولقد كان مقتل الخليفة حادثًا خطيرًا في تاريخنا الإسلامي، حيث فتح باب الفتن العظيم على الإسلام والمسلمين، وتفرقت الأمة إلى شيع وأحزاب، لا زالت الأمة تعاني من آثارها حتى اليوم.
اللافت في هذه الفتنة أن الشائعة كان لها دور كبير في إدارة الفتنة التي تولى كبرها الخوارج ومن حالفهم من الحزبيين، حيث لعبت لعبتها في تهيئة الأجواء، وزعزعة استقرار الدولة، فوقع المحذور، وقتل الخليفة الراشد (رضي الله عنه)، فوقع الناس بعده في الفتن والقتل، والقتلة لم يكونوا أبدًا هم الذين بايعوا أبا بكر وعمر وعثمان (رضي الله عنهم جميعًا)، وإنما قتله همج ورعاع من الغوغاء، وسفلة الأطراف، والأرذال، تحزبوا وقصدوه من الجيوش المرابطة في البصرة والكوفة ومصر.
إن معظم الانتقادات التي شاعت عن الخليفة عثمان (رضي الله عنه) في سياسته لشؤون الدولة، غير دقيقة، وبعيدة كل البعد عن الإنصاف والعدل، وأغلب الروايات التي صبت حممها عليه، كان القصد منها إثارة الرأي العام عليه، ليس لشيء سوى تحقيق أهداف أصحابها الحقيقية، ومن بينها الرغبة في تملك الأراضي المفتوحة بصفتها غنائم للفاتحين، وتغيير نظام العطاء على التفضيل، وإزاحة قريش من السلطة. هذا كل ما أرادوا الوصول إليه. إن كل ما نقموه على الخليفة أمورًا لا حرج عليه في فعلها، وكان معظمها تقتضيه مرحلة التطوير والنمو في هيكل الدولة وجسمها، وهي أمور إدارية وتنظيمية كانت الدولة والمجتمع بحاجة إليها. لذا كان مطلب “الخارجين” أن يخلع الخليفة عثمان (رضي الله عنه) نفسه، إلا أنه رفض أن ينزع قميصًا قمصه الله إياه، ويترك أمة يعدو بعضها على بعض، ويلي السفهاء من الناس من يختاروه، فيقع الهرج ويفسد الأمر، وكان يقول لـ”الخارجين”: كلما كرهتم أميرًا عزلته، وكلما رضيتم عنه وليته، فتكون سنةً من بعدي. لذلك رأى أنه لو أجاب “الخارجين” إلى خلع نفسه من الخلافة، لأصبحت سنة من بعده في أيدي المفتونين الساعين في الأرض فسادًا، ولسادت الفوضى، واختل الأمن، ولألقى بأس الأمة بينها وشغلها بنفسها عن أعدائها.
الذي يحدث في اليمن اليوم ليس ببعيد عن هذه الحادثة، لولا بيان دول التحالف (المملكة والإمارات) –بفضل الله قبل كل شيء- الذي قطع دابر الفتنة، بعد أن شاعت واستشرت في الصفوف وكادت أن تودي بالهلاك، والذي حذر فيه الأمة اليمنية من الوقوع في براثن الفتنة المؤذنة بالانقسام والانشقاق، ومن أعظمها وقوعًا، الواقع على المصالح العليا للدولة اليمينة، والضار بتماسك الشعب اليمني ووحدته.
دكتوراه في الشريعة والقانون