أصبحت العلاقات العامة علمًا مهمًا، وفنًا رفيعًا من فنون الاتصال الإنساني، وأداة مؤثرة لبناء علاقات عصرية وحضارية متميزة بين المؤسسات وجمهورها، وإذا أمعنا النظر في طبيعة عمل تلك المؤسسات نجد أنها في الأغلب تقدم خدماتها لإرضاء جماهيرها الذين يتعاملون معها، وإذا كان ثمة نجاح في هذه العلاقات؛ فإنه يتوقف على نجاح البعد الاتصالي للعلاقات العامة.
إذ تعد العلاقات العامة في أبسط صورها فن وعلم إدارة الاتصال بين المنظمة وجماهيرها الداخلية والخارجية، بهدف بناء وإدارة وتعزيز صورتها الإيجابية وإيجاد مساحة من الفهم المشترك لتحقيق مصالح الطرفين، فالاتصال بمعناه الواسع يعد ركيزة أساسية في عمل العلاقات العامة؛ إذ تعتمد جل أنشطتها على الاتصال الذي يعرف بأنه عملية يتفاعل بموجبها المرسل والمتلقي في سياق معين، ولا يقتصر الاتصال في فلسفة العلاقات العامة على إعلام الناس أو نقل المعلومات والأخبار لهم، بل يتجاوزه إلى كونه حلقة وصل بين المنظمة وبيئتها المحيطة بها.
ومع الاستخدام المكثف من جانب العلاقات العامة لوسائل الإعلام من جهة، واعتماد وسائل الإعلام في بعض أخبارها على رجال العلاقات العامة من جهة أخرى؛ إلا أن العلاقة بينهما يغلب عليها «الصراع»، وتبادل التهم حول «القصور في أداء الأدوار» بين الطرفين: بين رأي يتهم الصحافة بالقصور والكسل في أداء دورها الإعلامي، والاكتفاء بنشر ما يصلها من إدارات العلاقات العامة (حتى أصبحت تسمى لدى بعض ممارسي العلاقات العامة بصحافة الإيميل)، ورأي معارض يحمل العلاقات العامة مسؤولية التضييق على حرية الصحفيين في الوصول للمعلومة، ومحاولة فرض حقائق قد لا تكون صادقة بالضرورة، لأجل تجميل صورة المنظمة مستغلة سلطة الضغوط المفروضة أحيانًا تحت غطاء الإعلانات أو غيرها من المدفوعات لدفع الصحفيين للالتزام بما تريده العلاقات العامة.
وحتى نكون منصفين؛ يجب أن نعترف بأن المسؤولية مشتركة بين قصور إدارات العلاقات العامة أحيانًا في الترويج بصورة طيبة لمؤسساتها، وعجزها في التعامل مع الصحف بطريقة احترافية، يقابله قصور بعض الصحف في البحث والتدقيق في التفاصيل الخفية، لبيانات إدارات العلاقات العامة، التي تسعى عادة لنشر بيانات تقدم صورًا وردية عن منظماتها، وقد لا تكون صادقة دائمًا. والسبب الآخر الذي يؤثر على العلاقة بين الطرفين هو تعامل الصحفيين مع ممارسي العلاقات العامة؛وكأن مسؤوليتهم الوحيدة هي مساعدة وسائل الإعلام.
ولعلنا نضيف سببًا آخر ساهم في تعميق الفجوة بين الطرفين، وهو الشبكة العنكبوتية التي كان رجال العلاقات العامة قبل ظهورها يستجدون الصحفيين في نشر أخبار منظماتهم، ولكن وجود طرف ثالث جعل العلاقات العامة تستغني إلى حد كبير عن جهود الإعلاميين في الوصول إلى جماهيرها، والتفاعل معهم بشكل عصري ماتع وبتكلفة قليلة.
ويجب الاعتراف بأن صناعة العلاقات العامة في الوطن العربي، رغم كثرة مخرجات التعليم الجامعي المتخصص فيها، إلا أنها تعاني من عجز المواهب، مما جعل بعض المنظمات تندفع لتوظيف المتقدمين إليها بشكل أسرع، وتدرب بشكل أقل، وتضع موظفيها قليلي الخبرة في مواجهة الإعلام والرأي العام دون إدراك لخطورة هذا التصرف الذي يؤثر على مستقبلها، وربما يعصف بها خارج إطار المنافسة.
يقول الصحفي دافيد مرمان: كنت أتلقى المئات من الرسائل والقصص الإخبارية التي يرسلها رجال العلاقات العامة؛ كي أكتب عنها في عمودي الصحفي، وخلال خمس سنوات تلقيت (25000) مادة مصدرها العلاقات العامة، ولم أكتب عن أي قصة منها، ومن خلال مناقشاتي مع زملائي الصحفيين اكتشفت بأني لست الوحيد الذي يتلقى هذا الكم من البيانات الصحفية المعلبة دون أن أجد في نفسي رغبة في الاطلاع عليها فضلاً عن نشرها.
“ويضف نصيحة لرجال العلاقات العامة: عليك أن تعرف ما يثير اهتمام الصحفيين ثم التواصل معم والتحدث إليهم عن شيء مثير للاهتمام يدفعهم للكتابة عن منشآتكم بدلًا من إغراقهم بوابل من الإصدارات الصحفية الغثة”.
فالكثير من رجال العلاقات العامة يهتم بمعرفة ماتريده شركته منه أكثر من اهتمامه بمعرفة ماتحتاجه وسائل الإعلام نفسها.
وخلاصة القول إن العلاقة بين رجال العلاقات العامة والصحفيين تتضمن صراعًا بين ما يعتبر نظريًا مجموعتين مختلفتين من المصالح، فالصحفي يبحث عن الحقائق لتقديمها لجمهوره، ورجل العلاقات العامة يسعى لأن تعكس الأخبار والتقارير الصحفية (الرسالة) التي يود توصيلها لجمهوره. إذن يجب أن نعترف أن هناك فجوة قائمة بين الطرفين، ولكنهما مضطران للعمل معًا؛ ولذا كان من الضروري البحث عن صيغة للتعايش بينهما وبناء علاقة جيدة فأحيانًا يكون هناك تعارض في المصالح بين رجل العلاقات العامة والصحفيين، فلكل مصلحته وربما يؤثر هذا التعارض على العلاقة بينهما، ولعل أفضل الحلول لهذا التناقض أن ترى المنظمة ورجال العلاقات العامة أن العلاقات مع وسائل الإعلام هي استثمار، فالعلاقة بين رجل العلاقات العامة والصحفيين لها تأثيرها على نوعية التغطية الإخبارية التي يقوم بها الصحفيون تجاه المؤسسة.
وبما أننا لا نستطيع أن نجعل الصحفي يفكر كرجل علاقات عامة، فإن من الأفضل أن يفكر رجل العلاقات العامة باعتباره صحفيًا متخصصًا، وهذا كان السبب الرئيس في حالات النجاح التي تحققت في عمل العلاقات العامة مع وسائل الإعلام.