خذ واحدة هي حقًا فكرة رائدة، تعني ببساطة أن يتجرد الإنسان من الرغبة المتوحشة في داخله للاستحواذ بنهم، والتملك بجشع، والإسراف والتبذير دون مبالاة، والأثرة للنفس، والأخذ بجنون ودون رقيب لأكثر من حاجته، والحرمان المتعمد للآخرين من حقوقهم في الأخذ، أو الصدقة، أو الاستفادة من الخدمات المقدمة.
خذ واحدة في كثير من المساجد تعني أن تطفئ ظمأك بزجاجة ماء واحدة، وتترك الأخرى لغيرك من إخوانك المسلمين المتعطشين للماء أيضًا؛ خاصة في الأجواء الحارة.
خذ واحدة من الوجبات التي تقدم للحجاج والمعتمرين والمحتاجين لتسد بها جوعك، وتترك الباقي ليسد جوع الآخرين.
خذ واحدة تعني أن تملأ صحنك بما يكفيك في بوفيه مفتوح لا أن تملأ طاولتك بجميع ما وقعت عليه عينك من صنوف الطعام ثم تتركه بعدك فضلات، فلا أنت أكلته ولا أنت تركته نظيفًا في مكانه، ولو كنت في مطعم فلن تطلب إلا وجبة واحدة تكفيك، ثم تدفع ثمنها، وإن فعلت وطلبت أكثر من حاجتك وأهدرت موارد المجتمع – وهذا خطأ جسيم بالطبع- ولكن لعدم وجود قوانين رادعة لمثل هذه التجاوزات، فقد تتبجح علينا بأنك دفعت قيمة ما طلبت من مالك، لكن لا حجة لك في هدر أموال المحسنين أو الداعين فتأخذ وجبتين وثلاثة وأكثر من باب الطمع لا أكثر، ثم لا تتناول إلا واحدة وتترك الباقي مع الفضلات دون شعور بالذنب أو الخطأ أو تأنيب من ضمير.
خذ واحدة تعني أن تعلم أطفالك أن يستمتعوا بالألعاب المجانية في الحدائق العامة، ويتركوا الفرصة لغيرهم من الأطفال أن يستمتعوا بها، لا أن يتشبثوا بها وكأنها أملاك خاصة، لا يتقبلون مشاركة الآخرين لهم فيها، فيشعر الآخرون بسوء تربية هؤلاء الأطفال وبالأنانية التي غرست في نفوسهم.
خذ واحدة تعني أن توقف سيارتك في المكان الصحيح من المواقف دون التعدي على جزء من الموقف الذي على يمينك، وجزء من الموقف الذي على يسارك حارمًا غيرك من حقهم في المواقف.
خذ واحدة باختصار تعني أن نوقظ الرقيب الذاتي في دواخلنا؛ ليحافظ على موارد المجتمع وخيراته وصدقاته وخدماته لتصل للجميع دون ظلم أو تعدٍ والله لا يحب المعتدين.
خاتمة:
لا خير في طمع يهدي إلى طبع، وغفَّةٌ من قوامِ العيشِ تكفيني.