د. عبدالحفيظ محبوب

عبقرية الملك عبد العزيز في بناء الدولة الحديثة

احتفى السعوديون باليوم الوطني ال89 للمملكة الذي صادف 23 سبتمبر 2109 وهو اليوم الذي شهد إعلان المؤسس الملك عبد العزيز بن عبد الرحمن آل سعود توحيد البلاد وتسميتها المملكة العربية السعودية وبعد رحلة كفاح استمرت 32 عاما أرسى خلالها قواعد البلد الذي تحول تحت قيادة الملك سلمان بن عبد العزيز إلى رقم صعب في المعادلة الدولية وقيادة ولي العهد الأمير محمد بن سلمان مرحلة تحول شاملة للارتقاء بالسعودية إلى مصاف الدول المتقدمة.

في هذا اليوم نتذكر عبقرية الملك عبد العزيز في بناء الدولة الحديثة وكيف تمكن من إدارة التوازنات خصوصا بعدما أصبحت منطقة الخليج منطقة صراع بين الانجليز والألمان والروس والعثمانيين عندما كان عبد العزيز بن عبد الرحمن بن فيصل بن تركي في الكويت وكان عبد العزيز يتابع تلك التطورات جعلته فيما بعد قادر على اللعب على تلك التوازنات الإقليمية والدولية .

استثمر عبد العزيز بن عبد الرحمن بن فيصل تطلع عبد العزيز بن الرشيد لضم الكويت حتى يجعل حدود دولته تصل إلى البحر بإيعاز من الدولة العثمانية مما جعل الكويت تستنجد بالانجليز فسمح لعبد العزيز بن عبد الرحمن أن يشن هجوما عسكريا شجاعا تم له التخطيط مسبقا وكتب له النصر عام 1902 لبعد الرياض عن مركز بن الرشيد الذي كان يسكن حائل .

بدا الصراع بين عبد العزيز وابن الرشيد استنجد ابن الرشيد بالدولة العثمانية وبأمير قطر لكن دائما ما كانت تنتهي تلك الصراعات بفوز عبد العزيز بسبب التأييد الشعبي وعندما وجدت الدولة العثمانية تمدد نفوذ عبد العزيز بهذه السرعة وسيطرته على نجد والخوف من خطر بعث الحركة السلفية من جديد بعد ضياع الكويت تحت الحماية الانجليزية وقيام ثورة في اليمن انتهت بمبايعة الإمام يحي عام 1904 .

دعمت الدولة العثمانية بن الرشيد وأرسلت له جيشا لكن مني ابن الرشيد بهزيمة في معركتي البكيرية والشنانة عام 1904 تحولت الدولة العثمانية بعد هذه المعركة من دعم بن الرشيد إلى كسب ود عبد العزيز وطلبت منه الدخول معها في مفاوضات والاعتراف بسلطانه لكن فشلت تلك المفاوضات بسبب أن الدولة العثمانية كانت تطلب من عبد العزيز أن يكون لها مستشارين ولكن الملك عبد العزيز لا يلدغ من جحر مرتين خوفا من تكرار مواقف الدولة العثمانية التي ساهمت  في القضاء على الدرعية عام 1824 ولم ترعى الدولة العثمانية في ذلك الوقت للوعود التي قطعتها على نفسها من الحفاظ على الدرعية والحفاظ على الأنفس للإمام عبد الله بن سعود فلم يستمر هذا الود .

فدعمت الدولة العثمانية بن الرشيد مرة أخرى ولكن عبد العزيز بن الرشيد  قتل في معركة روضة المهنا عام 1906 ثم استغل الملك عبد العزيز انضمام تركيا إلى معسكر الوسط في الحرب العالمية الأولى عام 1914 اضطرت بريطانيا إلى تغيير سياساتها الحيادية تجاه عبد العزيز واظهروا ودا مستترا لعبد العزيز ورغم ذلك فان الملك عبد العزيز بحنكته وحسه الفطري رفض التورط في اصطفافات إقليمية في ذلك الوقت والتزام الحياد ورفض أن يحارب الشريف حسين في مكة كما أراد الترك ولم يشترك في محاربة الترك في العراق كما أراد الانجليز أي التزم الحياد لان دولته الفتية لا تؤهله لممارسة مثل هذه  الاصطفافات .

ولكن حينما فوجئ الملك عبد العزيز بإعلان الشريف حسين ملكا على العرب عام 1916 لان الانجليز دعموا الشريف حسين القيام بثورة ضد الأتراك اضطر الملك عبد العزيز إلى إبرام معاهدة مع بريطانيا اتفاقية دارين قرب القطيف عام 1915 فيما استبدلت تلك الاتفاقية باتفاقية جدة عام 1927 تنص الاتفاقية على الاعتراف بعبد العزيز وحمايته من أي تدخل أجنبي مقابل اخذ مشورة بريطانيا في تعامله مع الحكومات الأجنبية وعدم التعدي على الإمارات العربية الخاضعة لبريطانيا وهذه أول معاهدة دولية ابرمها الملك عبد العزيز .

بدا الصراع بين الملك عبد العزيز والشريف حسين بعدما أعلن نفسه ملكا على العرب انتهى باستيلاء الملك عبد العزيز على الحجاز ولكن بعدما وطد حكمه في نجد والقضاء على دولة ابن الرشيد كما ضمن عدم تدخل الدولة العثمانية لأنها سبق أن عرضت عليه إمارة مكة من عدوهم اللدود حليف الانجليز ولم يكن العثمانيين بالقوة التي تمكنهم من التدخل بينما وقفت بريطانيا موقف المحايد بسبب أنها حليف لكل من الآخر عام 1924 واعتبرت بريطانيا أن ما حدث قضية مذهبية دينية واعترفت بالواقع .

وإدراك الملك عبد العزيز مواقف الانجليز الذين كانوا يدعمون الشريف حسين بقيام ثورة عربية ضد تركيا وفي نفس الوقت تقوم بإعداد اتفاقية سايس بيكو لتقسيم المشرق العربي إلى مناطق نفوذ لكل من بريطانيا وفرنسا تلا ذلك وعد بلفور عام 1917 الذي نص على إنشاء وطن قومي لليهود في فلسطين وتخلت بريطانيا عن الأهواز لإيران عام 1921 وفيما بعد تخلت فرنسا عن لواء الاسكندرونة لتركيا من اجل عدم مشاركتها في الحرب العالمية الثانية ( وهو ما يجعل السعودية تحذر من الغرب أن تتنازل عن أجزاء من أطراف الجزيرة العربية لإيران مقابل إيقاف تخصيب النووي الإيراني لذلك أرسلت السعودية درع الجزيرة إلى البحرين مستبقة أي تحرك إيراني بالاتفاق مع الغرب وخصوصا الولايات المتحدة للاستيلاء على البحرين وقاد الملك سلمان عام 2015 عاصفة الحزم ضمن تحالف مشترك في اليمن للقضاء على ذراع إيران في اليمن المتمثل في الحوثي حتى لا يتحول الحوثي إلى دولة داخل دولة وإلى واقع على غرار حزب الله في لبنان بجوار السعودية) .

وأسس الملك عبد العزيز المملكة العربية السعودية على أنقاض الثورة العربية الزائفة بعبقريته الفذة الذي كان يدرك أن القوة الصاعدة أمريكا على أنقاض القوى السابقة انجلترا وفرنسا التي ستتحكم في قواعد التوازنات الدولية وجعل من النفط الطاقة المحورية أداة لإقامة علاقات جيدة مع الولايات المتحدة مثلما جعل من الإسلام الطاقة الروحية الهائلة التي لا تنضب والتي لا تقوم بدونها دولة قوية على ارض الجزيرة العربية وجعله منهج حكمه ودستور بلاده واعتمد على ثوابت أساسية لبلاده تنطلق من مبادئ الدين الإسلامي الحنيف .

وكان يحذر الملك عبد العزيز دائما من التورط في تحالفات غير متوازنة والرد على نظرائه فمثلا كلايثون جنرال بريطاني كان معجب بالملك عبد العزيز فقال له الإمبراطورية البريطانية تأسست في مئات السنين بينما أنت أسست ملكا في ثلاثين عاما فرد عليه الملك عبد العزيز ولكنني لا اعتقد في نفسي القدرة على تحقيق ذلك وهي رسالة لعدم الكشف عن المكنون ، وبعدما دخل الملك عبد العزيز مكة سلميا دعا إلى مؤتمر إسلامي عام 1926 يتعلق بأمور الحج وتحاشى أمر الخلافة لأنه أدرك أن الملك فؤاد ملك مصر يريد تنصيب نفسه خليفة للمسلمين بعد سقوط الخلافة العثمانية عام 1919 وحينما أدرك الملك فؤاد حقيقة المؤتمر بأنه لا يتعلق إلا بالحج أرسل فيما بعد رئيس الوزراء عدلي يكن ولم يشارك الأشراف ولا شيعة إيران  في هذا المؤتمر الإسلامي الأول في عهد الملك عبد العزيز.

وعبقرية الملك عبد العزيز تتجلى في انه كان يقول : أننا آل سعود لسنا ملوكا ولكننا أصحاب رسالة وتجسدت عبقريته أيضا في انه كان يرى أن الدولة لا تبنى إلا بالكفاح وأحاط به مستشارون من معظم الجنسيات العربية والغير العربية استطاع بقوته أن يكون منهم مجموعة متناسقة تعمل وفق أرادته بعيدا عن الحسابات والحساسيات الإقليمية التي ينتمون إليها ولم يتمكن أي مستشار أن يفرض على الملك عبد العزيز أي خط سياسي يرفضه الملك عبد العزيز وجعل لهم مكانة خاصة عنده.

واستطاع الملك عبد العزيز أن يحسم أي خلاف بالرجوع إلى العلماء وما يجمع عليه العلماء ورغم ذلك وقعت بين الملك عبد العزيز وبين المجموعات المتشددة معركة عام 1928 تسمى السبلة مما جعل الملك عبد العزيز يتجه إلى توطين البدو وتأسيس الهجر من اجل أن ينتج عن هذا التوطين  الاستقرار الذي يقود إلى التعلم والذي يعد من ابرز المشروعات التي تتعلق بالتطور الاجتماعي .

وكان يهتم الملك عبد العزيز بتوثيق العلاقات مع الدول العربية وخصوصا مع دول الخليج وأقام علاقة خاصة مع دولة مصر الذي قام بزيارتها عام 1945 فكان له الأثر البالغ في تأسيس مكانة عربية وإسلامية ودولية استمر أبناؤه الملوك في حمل المسؤولية وتعزيز مكانة الدولة الحديثة تنطق بعظمة المسيرة والعمل .  

Related Articles

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back to top button