أربعة أيامٍ متوالية من الاحتفال بالوطن المجيد عبّر بها الشعب عن حبه العظيم لوطنٍ يستحق أن يُحتفى به، كان أجمل وصف دسم الزبدة قرأتُهُ لحالة الفرح العارمة فيها ما غرّد به الكاتب عبد الله وافية في تغريدته بيوم الوطن: “وطن أكثر فرحًا وأقلّ تشدّدًا” !
وكم هي مبهجة فرحة الاحتفالات الوطنية، ونحن نرى مدن وطننا الغالي دوحةً خضراء رسمها المحبون في الأرض، وعانقوا بهمّتِهم فيها السماء؛ فكانت بحق “همّة نحو القمة”.
لقد انقضتْ أيامُ الاحتفال بيوم توحيد الوطن وبقي السؤال الأهمّ ! ماذا بعد 23 سبتمبر ؟! هل أدينا حقوق الوطن أم أن هناك واجبًا آخر ينتظرُنا ومسؤولية أعظم منوطة بأعناقنا ؟! فليس الوطن عبارات تُرْصف ولا أعلامًا تُرفع وحالُكَ الصمتُ منزويًا في الظل، وأنتَ ترى وتسمع الإساءة لوطنك والتشكيك في قيادته صباح مساء !! أو قيامكَ بترويج السياحة لدولٍ لا تُخفي عداءها لوطنك؛ بحجة أنّ حكومتنا الحكيمة لم تُصدر أمرًا بالمنع ..! فإن كانت السياحة الداخلية لا تُرضيك واقتصاد بلدك لا يعنيك؛ فلا تتغنى بحبّ وطنك في ديار أعدائه .. والعالم مُتّسع الخيارات. ولك أن تتذكر بأنّ وطنك هو السند الوحيد لك؛ فارسم خططكَ وفقًا لخارطته وحسب.
وكما أن دعم الوطن ركيزة لا نقاش فيها؛ فالدفاع عنه لا يعني الإسفاف والبذاءة في الردّ كما يعتقد البعض، بل من الأخلاق أن تترفّع عن النزول للكدَر وإيصال صوتك بأساليب مُترفّعة تحفظُ لوطنك مكانته وتسمو بأخلاقك؛ لأن مجاراة السفاهة سفاهة أخرى.
حبك لوطنك يترجمهُ واقع احترامُكَ أنظمتَه وقوانينه، وتقدير الآخر المُشارك لك في الأرض سواءً كان مواطنًا أو مُقيمًا؛ فالجميع لهم الحق بظل نظامٍ عادلٍ يُعطي حقوقًا، ويُلزم بواجبات .. وطنيّتُك أن تعتبر هذه الأرض بيتك الكبير وكل ما فيها هو لك ولأبنائك من بعدِك؛ فالمرافق العامة – مساجدًا أو مدارسًا أو مستشفيات وحدائق – نفعُها شامل للجميع .. استفدْ منها واترُك المكانَ كما كان بعيدًا عن الإهمال والتخريب.
لا تخبرني أنكَ تحبُّ وطنكَ وأنا أشاهدُكَ تخرِجُ يدَك من سيارتكَ؛ لترمي مُهملاتك في الطريق، وكأن الشارع مشاع لعبثك. الوطنيةُ سلوك حضاريٌّ لا يتمّ إلا بتكاتفِ الجميع؛ فكن لوطنك عيْنًا ثانية تراقبُ أمنَه وأمانه، وتبلّغُ عن كل مخالفةٍ تراها أو تشتبه بها.
ولأن بلادنا غنية بمقدراتها البشرية المتنوعة؛ فمشاركتنا في خدماتها التطوعية على كافة الأصعدة والمجالات يجب أن يُنزّه عن الانجراف خلف وهج المناصب والمنافع؛ فوطننا يستحق وفي شبابنا الخير الكثير.
وليبقَ حبُّ الوطن عامرًا في القلوب؛ فهناك أجساد أنهكها المرضُ والحاجة من مرضى وأسر السجناء؛ فجميعهم أبناء لهذا الوطن، فلا تبخل عليهم بما تجود به نفسُك من مال أو إنجاز أمورهم الخاصة؛ فهؤلاء مَن يستحقون أن تُجمع الأموالُ من أجلهم، وإن لم تجد؛ فاستفد من حكمة المتنبي :
لا خيلَ عندكَ تُهديها ولا مالُ فليُسعدِ النطقُ إن لم تسعدِ الحالُ
الكثير لا يحتاج إلا الكلمة الطيبة، والأيادي الحانية التي تطمئنهُ أنّ أبناء الوطن على قلب واحد .. الوطن نخلة باسقة نستظل بها .. تتفرّع جذورُها، وتمتد بعطاءٍ لا ينتهي، وعمل ينتظر؛ فكن لوطنك خيرَ سند، وبرهن على حبّك قولًا يرافقه العمل، ولنحتفلْ بتحقق إنجازات الوطن والسير به نحو القمم.