الاحتفال باليوم الوطني (89) للملكة العربية السعودية له دلالات ومعان كثيرة سامية من الناحية السياسية والاجتماعية والاقتصادية والحضارية (بشكل عام)، أتمنى ألا نختزلها في ترديد أغانٍ وأهازيج و (بعض) سيارات مزعجة تجوب الشوارع بالأعلام والهتافات.
الوطنية الحقيقية لو عشناها بمعناها الصحيح وجعلناها جزءا من نمط حياتنا اليومي فسوف يصبح هذا الوطن بإذن الله ثم بفضل حنكة قادته نموذجا يحتذى به من قبل كل الدول المحيطة، الوطنية الحقيقية هي أن نقوم جميعا (كل في مجاله) بالأعمال التي تسهم في تنمية وتطوير الوطن.
ونحن نحتفل بالذكرى (89) للوطن يمر شريط الذكريات بين ما كنا عليه وكيف أصبحنا، ويحق لنا أن نفتخر بما وصلنا إليه من مكانة بين دول العالم غربها قبل شرقها، قفزات تنموية كبيرة غيرت وجه السعودية، بعدما كنا نطوف العالم للتعريف بمدننا من خلال معرض (المملكة بين الأمس واليوم)، أصبحنا دولة لها ثقلها السياسي والاقتصادي والعسكري ليس في المنطقة فحسب بل على مستوى العالم.
هذه الصورة الجديدة للوطن تتطلب من الجميع مفهوما جديدا للتعبير عن الوطنية نتجاوز فيه التعبير التقليدي الذي حصرناه في ترديد الأغاني الوطنية والتلويح والتراقص بالعلم.
الوطنية الحقيقية هي أن يحرص كل مواطن على أن يكون سفيرا لبلده، يبرز ثقافة الوطن وقيمه ومبادئه، الوطنية تعني أن نقف ضد تصرفات (البعض) في أسفارهم والذين ويسيئون للوطن ويجعلونا مكان تندر العالم.
نحن نعيش عصرا كسرت التقنية فيه حواجز الحدود، وبإمكان كل مواطن غيور (ومن خلال جواله) أن يعبر عن وطنيته وينقل للعالم صورة مختلفة عن السعودية، قيم التسامح والوسطية فيها، حريات الجميع ضمن القوانين العامة للوطن، التعايش السلمي مع كل جنسيات العالم على اختلاف دياناتهم، تطورها الحضاري وتراثها الثقافي الممتد في جذور التاريخ. وفي المقابل، علينا أن نكشف أولئك الذين يسيئون (بجهلهم) إلى وطننا بنشر مقاطع تظهرنا للعالم كشعب بدائي متخلف، يستهتر بالأجنبي الذي لا يعرف العربية، يفتخر بتعذيب الحيوانات، ويلحق الأضرار بالحياة الفطرية والبيئية.
ليست الوطنية في تصريحات منمقة أو أبيات شعر مليئة بعبارات الثناء للوطن ثم لا يتردد قائلها عن *(سرقة أموال الوطن)* من خلال تنفيذه مشروعات فاشلة بميزانيات أكبر من قيمتها، وليس من الوطنية *(نهب وإهدار دعم الدولة)* للأنشطة الرياضية والاجتماعية والترفيهية والثقافية.
حين يقوم المسؤول بمعالجة *(البطالة)* و توظيف واستقطاب السعوديين المؤهلين وتوفير بيئة عمل مناسبة لمؤهلاتهم ووضع البرامج التدريبية لهم وتحفيزهم وعدم وضع العراقيل أمامهم (وألا يتخيل) بأنهم سوف ينافسونه على منصبه، حينها يكون ذلك المسؤول قد حقق الوطنية في مجاله لا أن *(يستغل المنصب)* لتوظيف وترقية الأهل والمقربين فقط.
الوطنية الحقيقية هي أن نحافظ على مبادئ مؤسس هذه البلاد الملك عبدالعزيز رحمه الله وأبنائه الملوك من بعده ونقف صفا واحدا لمحاربة دعاة *(العنصرية)* الذين يسعون لتفتيت وحدة المملكة العربية السعودية وتقسيم مناطقها على أسس عرقية أو طائفية مما يسهل مهام الأعداء المتربصين لتأسيس خلايا خائنة، ويعرض وحدة البلاد للتصدع ولمصير تعيشه الآن دول شقيقة.
نحن نعيش في وطن (يجبى إليه ثمرات كل شيء) ولابد أن نستشعر نعم الله علينا، ونعلم أبناءنا عظم هذا الفضل وكيف (يتخطف الناس من حولهم) بينما نتقلب نحن في وطن ينعم بالأمن والسلام والاستقرار بفضل الله ثم بحسن سياسة حكومة خادم الحرمين الشريفين التي تواجه *(عدوا خارجيا)* على ثلاث جبهات بثبات وحزم، و *(عدوا داخليا)* متأبطا شرا و مترصدا تفرض علينا الوطنية أن نساهم مع الحكومة الرشيدة في مواجهته وأن نعرّف ونبين لمن نرعاهم خطورة الانسياق خلف (دعاة الإرهاب أو الانحلال ورعاة التشويش الفكري)، ناشري الأفكار الهدامة أو المنحلة، وكيف أنهم يسيرون بالوطن (وبنا) نحو المجهول مستترين خلف أقنعة دينية أو فكرية متطرفة أو مدعومين بأنظمة وجماعات ترتدي ثوب النصيحة وباطنها يحمل العذاب والخراب.
وعلى مدى 89 عاما، لم تتوقف ولله الحمد عجلة التنمية في هذا الوطن، وها نحن الآن نخطو نحو المستقبل برؤية 2030 التي تهدف إلى بناء *(السعودية الجديدة)* والسير بكل ( همة حتى القمة )، لتكون وطنا ليس فقط متعدد الثقافات، بل وطنا يريد أن ينزع عنه ثوب (الدولة النفطية) ليصبح *(قوة استثمارية)* مزدهر اقتصادها، مثمرة فرصها وفاعل الاستثمار فيها، وقد وجه خادم الحرمين الشريفين كافة المؤسسات الحكومية لتحسين بيئة الأعمال ودعم الشباب والأعمال التجارية الناشئة وتطبيق المعايير المنظمة للأعمال بشفافية، لهذا فليس من المواطنة السكوت عن أعمال *(التستر التجاري)* وما ينتج عنها من خطر يضر اقتصاد البلاد، ويلحق الضرر باستثمارات المواطنين ومصدر رزقهم، ويعرض حياة وصحة ساكني هذا الوطن للخطر، إضافة لما ينتج عنه من (تدوير غير قانوني للأموال) و تكوين بؤرٍ مهامها (جمع الأموال لتمويل الأنشطة الإرهابية في الداخل والخارج)
الخلاصة
هناك الكثير من المجالات التي يمكن أن نعبر فيها بحق عن وطنيتنا بصورة إيجابية، فالمعلم والطبيب والمهندس والعسكري والإعلامي ورجل الأعمال والرياضي والطالب وو…، مواطنون كل له دوره في عجلة التنمية، وإتقان كل منهم لدوره هو التعبير الحقيقي لوطنيته، لنترك مهمة التغني بحب الوطن وإنجازاته للفنان محمد عبده وإخوانه الفنانين، هو دورهم الوطني و هم من يتقنونه، و لنتفرغ لأداء مهامنا في تنمية الوطن فإذا حققنا (جميعنا) الهدف المنشود و أنجزنا ما خططت له قيادتنا الرشيدة، حينها نستمتع مع (محمد/ عبادي/ رابح/ راشد/ مجيد…)، ونفتخر وهم يتغنون (بلادي.. بلادي منار الهدى) و نصفق لهم وهم يقولون ( فوق هام السحب) و نردد معهم بصوت واحد مؤكدين ( عاش سلمان ملكنا ).