تعد الخطابة السياسية أحد أهم وسائل التواصل السياسي بين النخب السياسية أحزابًا كانت أو أفرادًا وجماهيرها، ومن خلالها تستطيع الجماهير في الداخل، والمراقب في الخارج إدراك الرؤية العامة والتوجهات التي ترغب النخب السياسية إيصالها، ومن خلالها تتمكن النخب من إقناع الجمهور بوجهة نظرها، فالخطاب السياسي أحد أشكال الاتصال الفعالة، لأنه يتكون من مزيج متجانس ومقصود من علم اللغة والسياسةوالاقتصاد وعلم النفس، لإحداث أثر مقصود، أو إبلاغ رسالة ظاهرة أو كامنة بين السطور.
والخطاب السياسي ليس مجرد كلمات أو تراكيب لغوية، فله مطابخه الخاصة التي يقوم عليها كهانها وسدنتها لتجهيزه وإعداده بما يتوافق مع كل مناسبة داخلية أو خارجية، معبرًا عن أجندة سياسية ورؤية استراتيجية ومشروع مستقبلي في طور التكوين، فالسياسة في مجملها، هي البراعة في توظيف اللغة التي عن طريقها يكسب السياسي معركته الانتخابية، ومن خلالها تعلن الحرب، وترتفع الأسعار وتنخفض فاللغة مرتبطة بالسياسة ارتباطًا وثيقًا، وأي تواصل لغوي يكشف أن وراءه دومًا انحيازًا سياسيًا معينًا، فليس هناك اتصال بري، كما يقرر علماء الاتصال والإعلام.
ولأن الخطاب السياسي في وقتنا الحاضر عمل جماعي في الغالب، فهو يتطلب مهارات متعددة تنتفي قيمته دون إلمام الكاتب فردًا أو جماعة بها، فهو المنتج النهائي المعبر عن السياسي حاملًا أفكاره وردوده وآماله إلى المتلقين، لذلك عليه إحسان اختيار من يقوم بهذه المهمة التي تعد وظيفة في غاية الأهمية في الغرب خاصة، لكن دون الإفصاح عمن يتولاها، فتذكر بعض الوثائق كان آرثر شلزنجر أول كاتب خطابات رسمي في عهد مؤسس الولايات المتحدة جورج واشنطن، وأندريه مالرو كاتب خطابات الرئيس ديجول، وغيرهما الكثير من الأسماء التي تكون فريق العمل لكل زعيم سياسي، وفي عالمنا العربي يبرز اسم محمد حسنين هيكل كواحد من أبرز منتجي الخطاب السياسي.
ولكتابة الخطاب السياسي مدرستان، أحدهما تتطلب قرب كاتب الخطاب السياسي من الزعيم بشكل دائم وفهم شخصيته، وأسلوبه وطريقة تفكيره حتى يستطيع التماهي معها، والتعبير عنها، بينما ترى المدرسة الأخرى كتابة الخطاب السياسي بلغة كاتبه وتوجهاته، ودمجها مع الخطاب السياسي لمن يكتب له، وتتبع خطابات الرئيس الأمريكي السابق أوباما أسلوب هذه المدرسة.
ولأن الخطاب السياسي يجب أن يتشبع بعوامل قوة كامنة تجعله يؤثر بشكل مباشر في عقول المتلقين؛ مثل تبليغ الرسالة السياسية وإقناع المستقبل بها، وبناء الثقة معه،وتوضيح الرؤية الاستراتيجية لصانع القرار، فهذا يتطلب صیاغة السياسات والأهداف ضمن جمل قصيرة وبليغة ومقبولة لدى المتلقي، تدفعه للإيمان بها وتبنيها وترديدها والعمل على تحقيقها؛ بعد تغليفها بغلاف عاطفي، أو وطني، أو هاجس أمني أو اقتصادي، وأختم بمثالين من الخطاب السياسي لزعماء الولايات المتحدة.
المراقب لخطاب أوباما السياسي يجده يوظف عناصر اللغة ببراعة لتحقيقالإقناع، كقوله: “لقد آمنت بقوة الشعب لیقود حملة التغییر من أجل الأجیال القادمة ولتحقیق أحلامنا وآمالنا“ ما دفع الناخبون إلى الإقبال على انتخابه، وأما بوش الأبن وبعد أحداث الحادي عشر من سبتمر2001، وعنما أراد شن الحرب على العراق وافغانستان دون أن يواجه بمعارضة من أحد وظف اللغة ببراعة واستخدم شعارات صنعت بدهاء عظيم حققت له مايريد عبر شعارات متعددة “الحرب على الإرهاب” “من ليس معنا فهو ضدنا” ” لماذا يكرهوننا” شعارات مليئة بالإيديولوجيا حظيت بقبول وتأييد داخلي ودولي.
وقفه:
إنه الخطاب السياسي الفعال البعيد عن الكلمات الجوفاء، القائم على مزج الكلمة بالشعار بالصورة في شكل متجانس ليحقق القبول والانصياع دون تفكير من المتلقي.