د. فاطمة عاشور

لاعزاء لوفاة الأمنيات..

تبذل الدولة الفتية الكثير من الجهد و المال في إقامة مشاريع ضخمة من المفترض أن تشكل حجرا رخاميا في تأسيس عهد جديد من الخدمات في جميع المجالات ومنها مجال النقل و المواصلات.

و لاشك أن المملكة كدولة مترامية الأطراف جغرافيا تستحق شبكة متكاملة من خطوط النقل البري و البحري والجوي، و كان تأسيس خط السكة الحديدية بين مكة و المدينة وجدة خطوة هامة منتظرة فالمواسم التي يزيد عدد الموجودين فيها في موانئ جدة ومنها إلى مكة و المدينة عن الملايين ناهيك عن الضغط المحلي الراغب في التنقل بين هذه المدن لزيارة المسجد الحرام أو المسجد النبوي تتطلب هذه الخطوة، و قد حلت فرحة عامرة حين دشنت وزارة النقل هذا الصرح الرائع الذي سيقدم خيارا حضاريا للتنقل بين مكة و جدة و المدينة.. ولكن حدث بالأمس ما آلم النفس وصبغ بخيبة الأمل لونا رماديا على تلك الفرحة القصيرة الأمد فالقطار لم يكمل العام بعد و ذاك الحريق الذي ظل يتأجج لساعات طويلة كانت سحابات دخانه تخفي ملامح الأسى على هذا الوليد الذي أصيب في مقتل بعد ولادته بعام واحد فقط.

ليس غريبا أن تحدث الحوادث من حريق أو غيره فهذا أمر يحدث في العالم كله طولا و عرضا، لكن الغريب أن كثير من مواقع مشاريعنا يصيبها الخلل أو الدمار أو الإفساد أو التعطيل أو الحوادث قبل أن يتسنى للمواطنين التمتع بثمارها لعام أو اثنين، فكثير من المشاريع عندنا تصاب في بعض أجزائها إما بالترهل أو بالتراجع في الجودة سواء من ناحية التشغيل أو الاستمرارية، و هذا أمر ملحوظ في دوائر عدة لمشاريع و إنجازات في مجالات مختلفة.

لماذا قد يحدث حريق كالذي حدث بالأمس؟
ما السبب الذي أدى إلى نشوب حريق بهذه الضخامة المريعة و ماسبب استمراره لفترة ليست بقصيرة مع محاولات جبارة لاطفائه؟؟
هذا ملف يجب أن يتم فيه التحقيق على أعلى مستوى و بكثير من الشفافية حتى لا تتكرر مثل هذه المآسي التي تهدر المال الذي صنعت به و تريق ترياق الحلم الذي غلف وجداننا حين فرحنا بإنشائه، تبني دول العالم المشاريع و تنشئ الإنجازات ربما بتكلفة و ميزانية أقل مما نكلف و نطرح لكن العبرة في استمرار مستوى الجودة و ارتفاع مستوى الصيانة و رقي معايير الأمن و السلامة المتخذة للحفاظ على ماتم إنشاؤه، و هذا ما يجعلنا نرى دولا كثيرة لديها خدمات نقلية كالسكة الحديد تعمل بكثافة استيعابية مهولة ومع ذلك تأتي الاحصاءات السنوية بناتج فساد أو خطر أو طوارئ أو غيره صفرا.

القطارات و محطاتها تعمل في أوروبا و شرق آسيا و غيرها منذ عشرات السنين و نادرا مايسجل طارئ هنا أو حادث هناك، مع إمكانية تبرير حدوث ذلك بالكثافة في التشغيل وضخامة الشبكات، لماذا نعاني دوما في مشاريعنا الحكومية منها و الخاصة من ظاهرتين : إما انحدار مستوى الجودة في الأداء و التشغيل ، أو حدوث حوادث مؤلمة وطوارئ عجيبة غير متوقعة من مشاريع غضة للتو ولدت و المفترض أن تكون في ريعان شبابها جودة في الصيانة و الأداء!!

و ما المشاكل التي حدثت في قطار المشاعر منذ أعوام وحريق الأمس في محطة جدة و غيرها الكثير مما لايحصى من حالات تردي مستوى الخدمة و هبوط نسبة الجودة و انعدام شروط السلامة الا مؤشرات على ماسبق ذكره، فهل الأسباب يمكن حصرها فيما يلي :
-سوء إعداد العمالة التشغيلية
-تردي مستوى المتابعة و الرقابة في جميع مستويات أداء المنجزات
– إمكانية وجود فساد مالي و إداري يؤدي لكل هذه النقائص
– بدائية وسائل الأمن و السلامة في هذه المنشآت
– تقاعس بعض الدوائر من العمالة و الموظفين عن القيام بعملهم بالجدية و الالتزام المطلوبين

و كل هذه الأسباب كمشكلات حرجة تحتاج إلى حلول حقيقية تقدم بصورة منهجية مخططة وليس مجرد حلولا عشوائية قصيرة المدى لاتسمن و لاتغني قد تحل إشكالا طارئا لكنها تعجز عن تقديم حلول جذرية لمشكلات تعاد و تتكرر بذات الجودة وذلك لأن الأخطاء تتكرر ومسبباتها لاتزال جارية.
نقدر لحكومتنا الرشيدة كل ماتبذل لراحة المواطن و لإعلاء هذا الوطن، و نشكر كل مواطن وعامل نزيه و شريف بيننا و للحفاظ على ذلك نطالب بتحقيق موسع في شأن الحريق و في شأن كل خطأ يهدر المال العام ويسبب تضررا للخدمات العامة، ونطالب بوضع حلول حقيقية مستمرة و مراعاة ماتم طرحه في هذا المقال من توجيهات تؤخذ بعين الاعتبار.
نحب بلادنا وولي أمرنا وولي عهده، ونريدها أفضل بلاد الدنيا و بتصحيح مايجب تصحيحه نرتقي و نصل للهدف.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى