بالقلم الأحمر
أتفق مع من قال بأنه ليس من السهولة بمكان أن يتحدث أي شخص عن المؤسس الملك عبد العزيز رحمه الله.. ذلك أن الرجل تفرد بسمات شخصية قل أن توجد مجتمعة في رجل واحد.
ومن تلك الصفات أو السمات الشخصية للملك عبد العزيز إيمانه بالله وبرسوله.. ومن يريد أن يقف على هذا الجانب يبحث عن رسائله مع أعدائه، ومن يعمل أو عمل معه، إلى جانب ذلك السجل الديني الذي خلده عندما دخل مكة المكرمة ومنادته بعقد مؤتمر إسلامي؛ لبحث ما كان يريد أن تكون عليه الأماكن المقدسة.. سيجد فيها عمق إيمانه بالله العزيز الجبار في كافة أعماله وأقواله حتى مع خصومه.
اما فيما يخص إيمانه بقضيته في استعادة ملك آبائه وأجداده فخير دليل تلك الرحلة التي سطرها التاريخ، وهو يتجه مع نفر قليل ممن أزره واستجاب لتحقيق رغبته في استعادة ملك الآباء حتى دخل الرياض واستعادها من ابن رشيد، ثم شرع في محاولة لنشر الدين الإسلامي لكل من حوله في الجزيرة العربية مجدد للدين الإسلامي بالتقيد به عمل وتعامل.. فقد وجد في سيرته العطرة ما يؤكد هذا الجانب بالوثائق التي كان يوجهها لمن يتوسم فيهم الخير لأحياء الإسلام، وترك الشركيات من عبادة قبور أو التوسل بغير الله.. إلى أن فتح الله عليه بجمع شمل قبائل متناحرة في النفوس والأماكن حتى على الكلى والماء.. فقيض الله لقبائل الجزيرة العربية حاضرتها والبادية الفتى عبد العزيز بن عبد الرحمن رحمه الله، وكان على مدى نصف قرن من عمره، وهو يوحد النفوس ويغرس بين الناس نبذ الآن مع التمسك بشرع الله وسنة نبيه.. حتى تحقق له توحيد المملكة العربية السعودية من الخليج العربي إلى البحر الأحمر، ومن الشمال في حدود العراق والأردن، ومن الجنوب اليمن وعمان.
وإذا ما تناولنا في هذه الورقة ميزة أخرى للملك عبد العزيز –رحمه الله- سنجدها ماثلة ومتمثلة في شجاعة وقوة إرادته.. وفي هذه الميزة نستخلص مما وجد في سيرته ما لم يكن لسلطان أن يقوم بها مع الخصوم، ومع من كان بمعيته .. في حروبه كلها إذا وجدنا الملك عبد العزيز حليمًا على خصومه قبل من يثق به، ويعمل، ويتعامل معه.
ثم حكمته وعدم تسرعه في معالجة أمور الدولة الداخلية والخارجية فقد عرف عن الملك عبد العزيز حنكته في معالجة الأمور الداخلية أثناء التوحيد لعلنا نذكر المكوس واستخدام التقنية في ذلك الوقت من اتصالات وسيارات، وكيف عالج الاستفادة منها لشعبه.. أما بالنسبة للأمور الخارجية سنجد ترسيم الحدود في الجنوب والشمال ولم يهمل حق رعاة الماشية من اهتمامه من تسهيلات سواء من السعودية أو الدول الحدودية المجاورة.
وإذا ما بحثنا عن إلمامه بالتاريخ سنجد أنه المتحدث في مجالسه عن تاريخ الدول والأمم السابق منذ الخليقة.. وقد كان لذلك دور كبير في معرفة أحوال سكان دولته، وما تعاقب عليهم من أزمات في حياتهم المعيشية والحكومات التي تعاقبت عليهم..
وإذا ما عدنا للملك عبد العزيز نتذكر ما قام به للجزيرة العربية وللعالم الإسلامي من تسهيل وصول مسلمي العالم إلى الحرمين الشريفين في أمن وأمان ويسر وسهولة إذ أمن طريق الحجاج والمعتمرين منذ وصولهم إلى منافذ السعودية حتى مغادرتهم بعد أداء شعائرهم..، إذا نجده في نصف قرن استطاع رجل واحد من قوة إيمانه وعزيمته الصادقة توحيد إمارات في جزيرة العرب، وتكوين أمة متعددة الثقافات والمشارب الثقافية الفكرية في بناء دولة بأسلوب حضاري يساير دول العالم بما يخدم دولته السعودية والمسلمين، فلم يغب عن الموحد أن السعودية قبلة العالم الإسلامي فكان همه نشر الدين الإسلامي بما أسس من نظم وقوانين من الشريعة الإسلامية.. فقد أسهم الموحد بأسلوب حميمي في ترسيخ تحول أخلاق سكان الجزيرة العربية من الشتات إلى ما يخدم الفرد والأسرة والمجتمع بما يرضي الله تعالى فحكم وبسط عدله حتى أمن السكان على أنفسهم وأموالهم.
ذلك الملك عبد العزيز –رحمه الله- مع بعض من سماته الشخصية، والتي عجز ويعجز عن حصرها أي من المفكرين مؤرخين أو باحثين في إجمالها وتناولها سواء كانت سماته العسكرية أو الأمنية والتاريخية والاجتماعية والإنسانية والاستشرافية..
مما جعل أي من الكتاب عند تناول جانب واحد منها يجد صعوبة في تناولها خاصة مع ربطها بجوانب فكر وتفكير، وحياة وبطولات الملك عبد العزيز.
لعلي لا أجانب الصواب عندما أقول إنه ملك ظلمه التاريخ في مؤرخين عاصروه وباحثين أتوا بعد مماته رحمه الله.. حتى تلك المجلدات من مؤلفات كتبها معاصرون ومستشرقون وقفت من غير أن تتناول جوانب صفاته حتى التربوية في أسرته إلا من خلال ما وجدنا من بعض أبنائه، وهم يحدثونا عن أسلوبه التربوي معهم.
كنت في مقال سابق لي نشر في مجلة الوثيقة من إصدار الجوازات العدد الحادي عشر ذو الحجة ١٤٢٥هـ بأنه – الملك عبد العزيز- يمكن وصفه بالأسطورة.. ولأن في هذه الكليمة أقول إن موحد الجزيرة العربية الملك عبد العزيز أسطورة.. لكننا بحاجة إلى أن نعرف العالم بهذه الأسطورة، ونرسخ ذلك الموحد في ذاكرة الجيل الحالي والأجيال القادمة بما قدم لهذه الجزيرة بعد أن وحدها على اختلاف ثقافات سكان الجزيرة العربية المدنية (الحضرية) والقروية والبدوية في بوتقة واحدة من التآلف والتلاحم في شخص واحد يحمل وطنية ومواطنة ويدين للموحد ومن بعده من الملوك بل وللأسرة المالكة من ولاء.. وهذا ليس بالأمر السهل أن يكون من شخص واحد ملك قلوب من وقف ضده بأسلوبه الذي ورثه للملوك آل سعود من بعده..
صحيح أن دارة الملك عبد العزيز لم تبخل علينا بتقديم ما يمكن أن يرشدنا إلى شخصية الملك عبد العزيز رحمه الله.. لكنها بحاجة إلى أن تعيد ما قامت به في أساليب بحثية تحليلية معمقة.. ثم إننا بحاجة إلى أن نقف مع الموحد على مدى شهر من كل عام في ندوات ومحاضرات ومسامرات كلها عن موحد هذا الكيان، وتأثير ذلك على أبنائه الملوك من عهد إلى عهد الملك سلمان حاضرنا الذي نعيشه..
فهل نجد هذه الدار وأن تجعل من الجامعات ومراحل التعليم مع النوادي الثقافية والأدبية ورش عمل وتعامل مع هذه الشخصية الأسطورية..، بمؤلفات ومسرحيات وأفلام تاريخية وثائقية تتناول سماته الشخصية وبطولاته التاريخية.. وأسلوب حياته وتعامله وعمله في مسيرته التي عاشها على مدى عمره الزمني رحمه الله.