المقالات

قطار الحرمين والسلامة

قلم رصاص
استبشرت كثيرًا، وأنا أحضرُ محاضرةً في إحدى المنتديات الثقافية لمدير مشروع قطار الحرمين منذُ عدة أشهر قبل أن يتم  تكليفه وكيلًا لوزارة النقل.
كنت أستمع لحديثه الشيّق عن هذا المشروع الجبار، وإن كنت أسأل نفسي عن التكلفة التي تفوق الخيال لكل محطة من محطات القطار؛ لأنها قد تُصيب المستمع بالهوس والجنون؛ لأنها مبالغ طائلة من المليارات “المتلتلة” التى لا تقوى على حملها حتى قوافل قريش.
تحاملنا على أنفسنا نحن الحاضرين، ولربما البعض شعر بالمغص والقشعريرة، والآخر يقول في نفسه: “كل شيء ثمنه فيه”.
قيلَ في المحاضرة إن  مستوى السلامة في هذه المحطات صُمم وفق أعلى المعايير العالمية، وأن المحطة في حالة حدوث حريق لا سمح الله تُفتح أبوابها على مصراعيها من كل جانب؛ ليطلق من بداخلها ساقيه للريح حتى لا يُصاب بمكروه، وأن حرائق غابات الأمازون لا تحرك شعرة من حرائق محطاتنا.
لم يخطر ببال “البش مهندس”  يومًا، ونحن معه أنه سيرى طائرات الإنقاذ تلتقط الناس من على سطح تلك المحطة  قبل أن تهوي إلى الأرض، كما يلتقط طائر الحدأة فريسته.
وأردف قائلًا: إن  مستوى الجودة في كل مسمار من مسامير المحطة المكلومة قد تم اختياره بعناية ليصمد أمام كل الكوارث لعقود من الزمن.
انهارت أحلامنا التي طال انتظارها بين عشية وضحاها، وتهاوت كما تهاوى السقف المزعوم؛ وكأنه مصنوع من  “قطع الكرتون”.
في اليوم التالي للحادثة  قال الرئيس التنفيذي للسكة الحديد عبر قناة العربية حينما تم سؤاله عن هذا الخطأ الجسيم في أنظمة إطفاء الحريق أن التلفيات في السقف فقط، وأن أنظمة الإطفاء كانت تعمل بشكل فعال.
وكأن ماحدث لا يُعد سوى حريق في جزء بسيط تم السيطرة عليه في حينه، بينما الواقع يقول إن الحريق متطور، وأتى على الأخضر واليابس بعد أن صمد أمامه رجال الدفاع المدني لأكثر من اثنتي عشرة ساعة.
لا أخفيكم سرًا أنني تألمت كثيرًا، وأنا أمر بجانب تلك المحطة بعد أن تحوّل الحلُم الكبير إلى “حريقة”!
كانت تلك المحطة تعج بحركة المسافرين، ولكنها اليوم أصبحت محطة أشباح تُشبه بيوت القرى المهترئة الخربة التي هاجر أهلها وتركوها للزمن.
الكثير من مشاريعنا التي تصرف عليها الدولة المليارات تكون جودة مستوى التنفيذ في أقل مستوياتها، ومن حضر القسمة فليقتسم، وكأن لسان حال مشاريعنا يقول: “إنما الجودة صبر ساعة”.
دولتنا رعاها الله بقيادة مليكنا الحزم ومحمد العزم لا يألون جهدًا في سبيل راحة المواطن ورفاهيته، ولكن يد الفساد تنخر في عظم التنمية دون هوادة.
وداعًا تلك المحطة الجميلة التي كانت تُزين جدة وجدة تزدان بها، وسلامي لقطارنا الفتي وما عليك سوى الانتظار حتى تجد من يحتضنك !!
أخصائي نفسي ومستشار علاج الإدمان كاتب في صحيفة مكة

Related Articles

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back to top button