أ. د. عائض الزهراني

التسامح منهجية دين ـ الإمارات نموذجًا

عندما أنشأ الإسلام حضارته، لم يضق ذرعًا بالأديان السابقة، بل اتسع صدره للأديان الأخرى، ولا يتعصب ضدها ولا يطرد غير المؤمنين به، من ساحة العمل بل يعطيها حق الحياة، وظل هذا التسامح، منهجية دين، وشرعة حضارة، على مدار تاريخنا وانتهجنا هدي الرسول -صلى الله عليه وسلم- في تسامحه الديني، ذي النزعة الإنسانية الرفيعة، وتعزيز التعايش السلمي، بين الأمم، ويكتسب التسامح أهمية خاصة، إذا كان على هؤلاء الذين يحملون قناعات دينية، وأيديولوجية وسياسية مختلفة، أن يعيشوا معًا في مجتمع تعددي.

فالتسامح الديني تنبع أهميته، من كونه ذا بعد وجودي ضرورة الوجود نفسه، وهذا التنوع بين الناس، يمثل ضرورة اقتضتها الفطرة الإنسانية، يقتضي التعايش، لا التصارع، والتعارف، لا التناكر، والتعاون، لا التطاحن، والتكامل، لا التعارض، فقد أشار القرآن إلى ضرورة هذا الاختلاف النمطي قال تعالى:

(وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً ۖ وَلَا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ).

استدعي نصًا تسامحيًا للمستنير المؤسس لدولة الإمارات العربية المتحدة الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان،-طيّب الله ثراه- المعتنق والمتخلق بالتسامح المؤمن أنه حجر الزاوية في بناء الأمم والمجتمعات قائلًا بلفظه العميق الأنيق:

(إن نهج الإسلام هو التعامل مع كل شخص كإنسان بغض النظر عن عقيدته أو عرقه).

ووضع البناء السامق على ثوابت راسخة مبنية على أسس الاحترام، والتسامح، والتعاون المتبادل، وشرع لشعبه فضيلة التسامح الإنساني السامي:

وتكثف مبدأ التسامح الضارب بجذوره في أعماق ثقافة وتراث وتقاليد المجتمع الإماراتي الذي يستمد نهجه من الدين الإسلامي والتقاليد العربية الأصيلة، والقيم الحضارية والإنسانية الراقية.

وسار على نهجه أبناؤه بطرح المبادرات العظمى والمشاريع الكبرى المتنوعة والمتعددة؛ لتصبح الإمارات جسرًا للتواصل بين شعوب العالم، وأن تتفاخر كبيئة منفتحة تحترم مختلف الثقافات، وتنبذ التطرف، وتشجع التسامح بين مختلف الأطياف.

ويؤكد بوصلة التغيير والتنوير والتطوير صاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان رئيس الدولة، حفظه الله، أن عام 2019 «عامًا للتسامح» يرسخ دولة الإمارات عاصمة عالمية للتسامح، ونستشهد بنصه المضيء لروح التسامح قائلًا:

(إن ترسيخ التسامح هو امتداد لنهج زايد.. وهو قيمة أساسية في بناء المجتمعات واستقرار الدول، وسعادة الشعوب، وأهم ما يمكن أن نغرسه في شعبنا، هو قيم وإرث زايد الإنساني. وتعميق مبدأ التسامح لدى أبنائنا)

وتسعى الإمارات بروح وثابة إلى تجسير الفجوة بين الثقافات والحوار بين الحضارات، وتقارب الأديان، ونبذ التطرف والتعصب والطائفية ولا يتحقق لها إلا ببريق التسامح ومبادئه، وقيمه كمنهج، وانفتاح، وتاريخ، وسياسة وعمل وسلوك.

ويتضح من نبض كلمة الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم:

(نريد سياسات حكومية ترسخ التسامح ودراسات مجتمعية معمقة لنشر مبادئ التسامح لدى الأجيال الجديدة).

إن التسامح الديني بالإمارات يقتضي الاحترام المتبادل، ويقر الاختلاف، ويقبل التنوع، ويعترف بالتغاير، ويحترم ما يميز الأفراد، من معطيات نفسية ووجدانية وعقلية ويقدر ما يختص به شعب الإمارات الشقيق من مكونات ثقافية، امتزج فيها قديم ماضيه، بجديد حاضره، ورؤية مستقبله، ويعتبر ذلك سبب حضارته وتطوره ووجوده وسر تألقه، وعنوان هويته؛ لذلك شيدت، حضارة مشرقة، لها ثراء تراثي ومعنوي بريادة وقيادة حكيمة محنكة مكتملة الأسس والبناء، اليوم في دولة الإمارات نرى قطف ـ ثمار الخير والمحبة والعطاء، وما نشهده من تسابق الإمارات كافةً في إطلاق المبادرات والإنجازات والمشاريع والبرامج التي تجسد أهمية قيم التسامح والانفتاح على الآخر في العالم العربي؛ خاصة وفي العالم أجمع.

Related Articles

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back to top button