بعد أكثر من ثمانية أعوام لا تزال الحرب مستمرة في سوريا تسببت في نزوح نصف سكان سوريا مع نحو ستة ملايين سوري لاجئ خارج سوريا ونحو ستة ملايين مشرد داخل سوريا والأغلبية الساحقة من السنة الذين كانوا أساس الثورة ضد نظام الأقلية العلوية والجميع استثمر انشغال العرب بما يمسى بالربيع العربي وبشكل خاص في أكبر دولة عربية مصر.
تحولت سوريا خصوصا بعد التحالف بين الأقلية العلوية ونظام ولاية الفقيه ووجدت روسيا سوريا بوابة لها نحو العالم بعدما أفشلت مشروع خط أنابيب نابوكي بطابعه الجيوسياسي الأنجلوياكسون والذي تبنى هذا الخط الناتو وطول الخط نحو 3300 كيلو متر يمتد من آسيا الوسطى ناقلا الغاز من المزود تركمانستان التي تمتلك رابع احتياطي غاز في العالم عبر بحر قزوين إلى أذربيجان إلى أرضوم بتركيا ثم إلى النمسا دون المرور بروسيا وألمانيا ما جعل ألمانيا ترفض التوقيع عليه بسبب أنه لم يمر بأراضيها استطاعت روسيا إفشال هذا المشروع عن طريق تعريف بحر قزوين قانونيا وتدويله دوليا، واحتكرت الغاز في تركمانستان ووقعت اتفاقية مع أذربيجان لكن حضورها إلى سوريا حتى لا تحقق أمريكا مشروع خط غاز قطري تركي يمتد من غاز الشمال شمال قطر إلى تركيا، لذلك تحرص دولة قطر إلى جانب تركيا تثبيت فرع سوري لجماعة الإخوان المسلمين ما جعل السعودية تنسحب من سوريا لأنها تدعم المعارضة السورية وليس فصيلا محددا أو جماعة بعينها.
ولا زالت قطر تعزز عزلتها بمخالفة الدول العربية في موقفها الرافض للتوغل التركي داخل الراضي السورية معلنة دعمها لعملية أردوغان في شرق الفرات وتشبيهها بالتحالف العربي في اليمن.
أقامت تركيا بتواطؤ روسي اثنين من الجيوب في شمال غرب سوريا في عامي 2016 و 2018 في إطار حملتها المستمرة لمنع القوات الكردية السورية المدعومة من الولايات المتحدة من إقامة دولة شبه مستقلة على حدودها، يمكن أن ترتبط مع التمرد الكردي الموجود منذ 35 عاما داخل تركيا، ولدى تركيا 12 موقعا للمراقبة في إدلب مع ذلك تمت هزيمة وكلائها السوريين على يد هيئة تحرير الشام ومقاتليها الذين يقدر عددهم 30 ألفا.
تركيز تركيا على شرق نهر الفرات ما جعل أردوغان يتجه إلى تشكيل منطقة آمنة في شمال شرقي سوريا بطول 480 كيلو مترا وعمق 30 كيلو مترا داخل سوريا لإعادة توطين مليوني لاجئ سوري أو أكثر وفي الجمعية العامة السنوية لأمم المتحدة قدم أردوغان خرائط لتوضيح هذه المنطقة الآمنة تستضيف 3.6 مليون لاجئ سوري وسط ركود اقتصادي تعاني منه تركيا إلى جانب مصادرة الممتلكات التي تعود للاجئين.
ليس هذا فحسب بل أيضا التغلب على الحكم الداخلي الفعلي الذي أقامه الأكراد السوريين في ربع الأراضي السورية التي سيطروا عليها بدعم جوي أمريكي خلال معركة داعش وهدف أردوغان تغيير التركيبة السكانية وتخفيف الوجود الكردي عبر تدفق كبير من العرب السنة، فهي خطة متطرفة ليست واقعية لا تختلف عن خطة إيران في تغيير التركيبة السكانية في عدد من مناطق سوريا لذلك تعارضها إيران فهي صور من إعادة الهندسة السكانية الديمغرافية العنيفة التي تجري في سوريا من قبل إيران وتركيا.
اعتبر وزراء خارجية العرب في اجتماع الجامعة العربية التي دعت له مصر من أن العدوان التركي يعد احتلالا لأراضي بلد عربي شقيق وأن مقاومته حق شرعي في 12/10/2019 وطالبت الجامعة العربية إلى اضطلاع المجتمع الدولي بمسؤولياته لوقف الهجوم التركي على سوريا ووقف استباحة أراضيها، واعتبرت السعودية أن الهجوم التركي يقوض الحرب على داعش .
كان موقف روسيا قبل زيارة بوتين السعودية في 14/10/2019 على أنه يجب تحرير سوريا من الوجود العسكري الأجنبي غير الشرعي وطالب جميع القوات الغير شرعية بمغادرة سوريا، وتحاول على دفع حوار ضروري للجانبين بين أنقرة ودمشق.
حذر الاتحاد الأوربي من قيام تركيا بشن عملية عسكرية في سوريا سيلحق الضرر بالمدنيين وسيهدد بتقويض الجهود السياسية لحل الصراع الذي طال أمده وأن التدخل سيعني مزيد من التدمير والتهجير، وهدد أردوغان ألاتحاد الأوربي بإرسال ملايين اللاجئين السوريين إلى أوربا في حال استمر الاتحاد في وصف عمليات تركيا العسكرية بالغزو والاحتلال.
أردوغان مرتبك خصوصا بعد القمة السابعة بين مصر واليونان وقبرص التي استضافتها القاهرة في 8/10/2019 وتحذيرهم تركيا من التصعيد في منطقة شرق المتوسط جراء التحركات الأحادية التركية للتنقيب في مكامن الطاقة أمام سواحل قبرص الشمالية التي لا تعترف بها سوى أنقرة، وشرق الفرات يهيمن على 90 في المائة من النفط والغاز السوري حيث كان إنتاج النفط قبل 2011 نحو 380 ألف برميل يوميا لكن حاليا تصدر قوات سوريا الديمقراطية 50 – 60 ألف برميل يوميا إلى كردستان العراق و25 ألف برميل إلى مناطق الحكومة السورية وهو ما يريد أردوغان حرمان سوريا الديمقراطية من إيرادات النفط الذي يعزز مكانتها.
يتعرض أردوغان لهجمة عربية لا مثيل لها في التاريخ وهناك قواعد لعبة جديدة قد تفضي إلى تغيير التحالفات وسيكون التطبيع العربي مع تركيا أبرزها.