لقد شاركت لقاء علمياً بمركز التنمية الاجتماعية بوادي فاطمة كان موضوعة وادي مر الظهران نظمته دارة الملك عبد العزيز ممثلة في مركز تاريخ مكة ومديرها الدكتور فواز الدهاس وذلك بحضور نخبة من الباحثين والمهتمين بالدراسات التاريخية وبتشريف الأمين العام المكلف للدارة الدكتور فهد بن عبدالله السماري ومحافظ الجموم عمران بن حسن الزهراني والعديد من الشخصيات المرموقة ، وليس من شك في انه كان لقاء بناء ومفيداً من وجوه متعددة في جميع جوانبه التاريخية والثقافية والجغرافية وقد أنبثق عن اللقاء عدد من البحوث والتوصيات.
وادي فاطمة وتسميته القديمة وادي مر الظهران ومن اسمائه بطن مر وهو وادٍ أفيح واسع به بساتين وقرى عامرة من أهمها الجموم وقد نال شهرة واسعة منذ القدم في مجال الزراعة وخصوبة الارض ووفرة المياه في عيونه الغزيرة التي نضبت العديد منها ويبلغ طوله 210كم و يبعد “مرحلة” من مكة بمقدار تسعة وعشرون كيلو يمتد من الغرب إلى الشرق هابطاً من أعالي السراة قرب الطائف ويصب في الخمرة جنوب جدة ثم يدفع في البحر الأحمر ترفده أودية كثيرة من أهمها نخل الشامية واليمانية.
اما اسم بطن مر، ومر الظهران فهي تسميه قديمة أصيله وأختُلف في تفسيرها بين الشراح على أساس أن الظهر طريق البر وسط الشيء “البطن ” التسمية ، وقد ذكرته العديد من المعاجم الجغرافية منها معجم البكري الذي أرجع التسمية إلى سبب مرارتها “وقال كثيّر عزة سميت مرّا لمرارتها ” كما اوردها ياقوت الحموي في معجم البلدان : ما بين قباء ومران من البصرة على طريق مكة المكرمة فهو جزء من وادي كان يسمى في السابق مر الظهران و فسر مر بانها الحبل الذي أحكم فتله و قد ذكرها أبو غسان قائلا سميت ذلك لأن في بطن الوادي بين مر ونخلة كتابا بعرق من الأرض أبيض ونخلص من ذلك انها كلمة مركبة من مضاف ومضاف إليه من مر التي تعني القرية والظهران والتي قد تعني ظهر الجبلين الحميراء والسويد والظهران مثنى الظهر ولعل مر من كثرة المرور به ويرجح أن مر هي القرية وأن الظهران هو الوادي ، كما عرف هذا الوادي بأسم وادي الشريف و ذلك لأنهم كانوا يسكنون هذا الوادي منذ القدم ، وعرف أيضا باسم الوادي الأخضر لكثرة البساتين والمزروعات و سمي الوادي الأحمر لتوفر خام الحديد بكثرة في بعض أجزاء الوادي وايضاً باسم الجموم -المحافظة – من الكلمة جم وهي بمعنى كثر حيث كان ذلك الوادي كثير الماء وبئر جم كثير الماء والزرع والنماء والجمع جمام وقد اطلق الاسم (الجموم على المحافظة لان تلك المنطقة تحديدا كان يكثر بها الماء والعيون.
واما سبب تسميته بوادي فاطمه فهي تسمية حديثة لم تعرف إلا خلال القرن العاشر وقد أختلف المؤرخون حول السبب الحقيقي لتسمية وادي فاطمة بهذا الاسم ونسب إلى خمس فواطم وهن: فاطمة بنت سعد بن حمالة وهو الجادر- الذي بناء جدار الكعبة -و يعود نسبها إلي زهران وهي أم قصي ابن كلاب وإلي سيدة نساء أهل الجنة فاطمة بنت رسول الله وهي تسمية بعيده عن الصواب لأن زمنهما سبق هذه التسمية بقرون، كما نسب الي فاطمة الخزاعية “الطبيبة “كما نسب إلى فاطمة بنت الشريف أمير مكة ثقبه بن رميثة المتوفاة عام 827هـ كانت موسرة مشهورة بالكرم و الرئاسة والحشمة كما نسب إلى فاطمة الطبرية المتوفاة 881 وكانت محدثه مشهوره .
ويعتبر وادي مر الظهران من أعمال مكة ومن أشهر الأودية التي حولها شهد هجرات وأستيطان ، وما من شك في أن موارد المياه السبب في ذلك كما شهد أنشطة بشرية دلت عليها المعثورات كالأدوات الحجرية والرسوم والنقوش الصخرية يرى بعض المختصين انها تعود للعصر الموستيري برغم عدم التأكد من ثبوتها ومن ذلك أن العماليق سكنوا هذا الوادي في حقب متأخرة من العصور الحجرية، وهذا ما أشار الأزرقي إليه عن ابن عباس ” إن بمكة حي يقال لهم العماليق فكانوا في عزة وكثرة وثروة وكانت لهم أموال كثيرة ترعي بمكة وما حولها من مر ونعمان ” وتكمن أهميت بطن مر أو وادي الظهران أنه أحد منازل ومجامع الأزد وخزاعة و كنانة و لحيان وغيرهم الا أن الازد بالأخص سكنوه بعد رحليهم عن اليمن بعد السد وتفرقهم في البلدان، قالت الكاهنة طُريفة كلاماً طويلاً عنهم عندما قاربوا مكة : ” من كان منكم ذا جلد وقصر ، صبر على أزمات الدهر فعليه بالأراك من بطن مر” فسكنته خزاعة وتخزعوا من ولد عمر بن عامر حين أقبلوا من اليمن يريدون الشام فنزلوا بمر الظهران واقاموا به ، قال عون بن أيوب الأنصاري : فلما هبطنا بطن مر تخزعت …خزاعة منا في حلول كراكر…، ويرى البعض أن عك سكنته قبل خزاعة وسكنته بعد خزاعة بني الدئل بن بكر من كنانة وكانت لكنانة السيادة على سوق مجنة ، كما سكنته لحيان من هذيل وعند بعض المؤرخين أن لحيان هذيل لها ارتباط وثيق بدولة لحيان التي قامت شمال الحجاز قبل الاسلام وعاصمتها الخربة وقد دخلت في مدينة العلا .
ومما هو جدير بالذكر أن وادي مر الظهران قد شهد أحداث تاريخية وسياسة عظيمة ونشاطات بشرية وتجارية منذ العصر الجاهلي وصدر الإسلام وذلك لموقعة المميز وقربه من مكة وكونه من اعمالها ووقوعه على طريق الحج القديمة وبكونه محطة استراحة للحجاج ومعبراً للقوافل، ويربط بين مكة والمدينة والممالك الشمالية أضافه إلى كون سوق مجنة التاريخي كان يقام فيه وهومن اشهر آثاره واحد الأسواق الثلاثة الكبرى في الجاهلية عكاظ ومجنة وذي المجاز وهي لا تقل اهمية عن سوق عكاظ وكان يقام في آخر عشرة أيام من ذي القعدة يرتاده الحجيج ويقولون (لا تحضروا سوق عكاظ ومجنة وذي المجاز إلا محرمين) وتشرف عليه كنانة ولم يكن سوق مجنة سوقاً للبيع والشراء فحسب وإنما كان محفلاً للأدباء والشعراء – منتدى يجتمع فيه العرب للتنظير الفكري والسياسي والمفاخرة والقضاء وتدول الاخبار- وكان الرسول عليه الصلاة والسلم يذهب إليه لدعوة القبائل للدخول في الإسلام.
ومجنة لغوياً من الفعل الثلاثي مَجَنَ بمعنى غلظ ومنها ماجن وهو ما خامر عقله نقص من الاخلاق ومنها المجون وهو الانحلال كما وردت انها من الجنة بمعني انها الارض الخضراء الجميلة ومن معانيها الاخفاء فكانوا ولا يزالون في بعض نواحينا يطلقون على المقبرة مجنة لأنها تخفي وتحفظ وتستر الميت وكرامته ويعضد هذا الرأي ما ورد في رائية عمربن أبي ربيعه ذلك الفتى المدلل وهو من أبناء هذه النواحي كان يتردد على وادي ياجج يقول في رائيته الحوارية :
فكان مجني دون من كنت اتقى ثلاث شخوص كاعبان ومعصر، يقوم فيمشي بيننا متنكراً فلأ سرنا يفشو ولا هو يظهر.
وقد عنيت كتب السيرة النبوية بهذا الوادي ونال قسطاً منها عندما نزل به رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو في طريقة إلى مكة في عام الفتح مع عشرة الاف مقاتل وأوقف صلى الله عليه وسلم أبا سفيان في مضيقه ليرى قوة المسلمين وبه موضع صلى فيه رسول الله أقيم مسجد في ذلك المكان سمي بعد ذلك مسجد الفتح كما ورد ذكره في موضع آخر: حدثنا سعيد بن عفير حدثنا ابن وهب عن يونس عن ابن شهاب قال أخبرني أبو سلمة قال أخبرني جابر بن عبد الله قال كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بمر الظهران نجني الكباث فقال عليكم بالأسود منه فإنه أطيب فقال أكنت ترعى الغنم قال نعم وهل من نبي إلا رعاها كما كان موضعاً خصباً للرعي والصيد، عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال ( أنفجنا أرنبا بمر الظهران فسعى القوم فلغبوا ، وأدركتها فأخذتها فأتيت بها أبا طلحة ، فذبحها وبعث إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بوركها وفخذيها فقبله ) .
وذكره العديد من المؤرخين غير مكترثين بأنثروبولوجيا الانسان الذي عاش فيه بل ذكروه بكونه وفير المياه ومصدر غلال وفواكه ومن بعيد اشار إليه بعض أصحاب التراجم المكية والمؤرخين في كتبهم (كمحمد الفاسي والسخاوي الواقدي والفاكهي والطبري) من خلال تناولهم بعض الشخصيات التي تربطهم علاقات بشخصيات من هذا الوادي وكان ذلك بقدر محدود بالاضافة الى ما ذكره البعض منهم و القلقشندي ذكر بعد منتصف القرن الثامن نحو 780هـ بقوله في تقويم البلدان: (وهي بقعة بها عدة عيون ومياه تجري ونخيل كثير والنخل المزدرع متصل من وادي نخلة اليها وذكر غيره أن بها نحو أربعة وعشرين نهرا على كل نهر قرية ومنها تحمل الفواكه والبقوليات الى مكة) وايضاً الرحالة حذو نفس حذو المؤرخين في ذكر وادي مر الظهران كابن جبير وابن بطوطة والادريسي وغيرهم، وصفوا هذا الوادي بكونه سلة غذاء مكة وكان وصف ابن جبير ( ومن بطن مر وهو على مسيرة يوم أو اقل من نخلة … قد جلب الله اليها من المغاربة ذوي البصارة بالفلاحة والزراعة فأحدثوا فيها بساتين ومزارع فكانوا أحد الاسباب في خصب هذه الجهات وذلك بفضل الله عز وجل وكريم عنائه بحرمة الكريم وبلده الأمين ) وايضا ذكر ابن بطوطه “وأما بطن مر ويسمى ايضاً مر الظهران وهو وادي مخصب كثير النخل ذو عين فوارة سيالة تسقى تلك النواحي ومن هذا الوادي تجلب الفواكه والخضر إلى مكة شرفها الله ) وفي العصر الحديث كان من وصاف وادي فاطمة الرحالة الإنجليز بيركيهان وآيضا منذ ما يربو على نصف قرن زارت هذا الوادي الباحثة اليابانية البروفيسورة موتوكو كاتاكورا الفت كتاب عن البناء الاقتصادي لقرى البدو في وادي فاطمة يدرس في بعض الجامعات اليابانية.
وقد لعب هذا الوادي دوراً مؤثراً في الحياة الاقتصادية والزراعية سواء في القرون المتقدمة والمتأخرة كالقرن السابع والثامن والتاسع والعاشر يقول الباحث : بدر بن ستير اللحياني أن هذا الوادي شهد مناشط مختلفة عبر التاريخ وما خلفته تلك الماشط من اثار خير دليل على تنوع الحياة وتفاوتها واختلاف مشاربها ومن تلك الآثار انظمة الري المتطورة والبرك العملاقة وبقايا القلاع والمنشئات الحجرية” ويعتبر العصر العباسي أزهى عصوره وتوالت عليه العصور وقد نالته يد الرعية من ولاة مكة يهتمون به بكونه متنفسا وواجهة لمكة ومن الذين امتلكوا في هذا الوادي الشريف أبا نمي الذي ولي مكة ستين عام (932-992هـ) جل هذا الوادي ولهذا سمي بوادي الشريف واستقبل هذا الوادي الكثير من الهجرات وذلك لخصوبته ووفرة المياه وكان غالبية من سكنه في القرن الرابع عشر الهجري من الاشراف البراكيت والرواجح والعنقاوية والمناعمة والهواشم وغيرهم كما تردفه قرى اخرى ، وقد أولت الدولة السعودية الاولى 1218-1229هـ وادي فاطمة أهمية كبيرة فأقام الأمام سعود بن عبد العزيز بن محمد بوادي فاطمة قلعة عسكرية لتامين طرق الحج وجعلها حصن للعسكر ضد المناوئين لها و للدولة مأثر في الروضة وأبي شعيب ، ثم توالت العناية بهذا الوادي.
وفي عهد الملك عبد العزيز طيب الله ثراه أمر بأنشاء مبرة خيرية بوادي فاطمة عام 1355هـ وذلك لمساعدة المحتاجين وتشجيع البدو على التوطين كما قام في عام 1366هـ باستصلاح وتطوير عيون وادي فاطمة من خلال مشروع عين العزيزية” وأجرى بعض العيون إلى جدة بحصة تقدر بثمن كمية الماء مقابل تعويض مالي جزل حتى لا يتم الإضرار بالمزارع ، إضافة إلى ما في هذا الوادي من أرث تاريخي مكتسب فهو ذو أهمية حضارية كونه البوابة الشمالية للعاصمة المقدسة، حديثا تشهد محافظة الجموم نهضة حضارية وثقافية وعمرانية ومرافق ومراكز حكومية ومنشآت وتوسعات وبنية تحتية كبيرة -مما لا شك فيه- وذلك بفضل ما تبذله حكومتنا الرشيدة من جهود وتنفيذ المسئولين عن ذلك وعلى راسهم محافظ الجموم سعادة المحافظ عمران بن حسن الزهراني والمشهود له من الجميع بخبرته الميدانية وقدرته على العطاء وهو شخصية عملية تتمتع بالاحترام والحب من الجميع نسأل الله له ولجميع العاملين المخلصين السداد والتوفيق .
بارك الله فيك كلام جميل ومفيد نشكر الكاتب القدير اخونا عبدالحي الزهراني
رائع ابا رياض …بوركت .
معلومات جميه وكاتب مبدع ابو رياض