أعلنت المملكة العربية السعودية بالتزامن مع يوم السياحة العالمي، بدء استصدار تأشيرات سياحية إلكترونية أو “عند الوصول” لمواطني 49 بلداً بهدف وضع السياحة على رأس قائمة مصادر الدخل الرئيسية في المملكة؛
ولِما لهذا الإجراء من مردود اقتصادي ، فإن الفعل الثقافي سيكون حاضراً -المكاني والبشري – يعضدهما الزمن .
ولإيماني بأهمية الثقافة في ذاكرة الشعوب ، وموروثها ، ولِجدة الحدث ، رأيت تناوله فكريا تحت هذا العنوان ؛
يعرّ ف التفاعل الثقافي ، بأنه:
“عملية اتصال وتفاعل بين الأشخاص والجماعات ”
“ويُقصد به التعايش مع الثقافات الأجنبية واحترام التنوع الثقافي. ويتطلب هذا المنظور القدرة على ربط الثقافة الأجنبية بالثقافة الأصلية وتنمية الفضول تجاهها والتعاطف معها.”
فهو:
اتصال> تفاعل>تعايش>قدرة
ويتطلب مهارة في الربط بين ثقافتين مختلفتين لتنمية جانب الانتقاء؛
ويعرّف الكاتب الفرنسي” بيير أوريجيه دو كلوزو “في كتابه المعنون بـ”السياحة الثقافية:” بأنها انتقال شخص من مكان ما إلى آخر وقضاء ليلة واحدة فيه، ويكون الغرض الأساسي من هذا الانتقال هو البحث والاكتشاف والتفاعل، وذلك من خلال اكتشافه لتراث ما على أرض ما، ويشمل هذا التراث، والمعالم التاريخية، إضافة إلى العادات والتقاليد.”
كما إن استراتيجية (إيسيسكو) تشير إلى:
“إن السياحة بشقها الثقافي تهدف إلى التعريف بالتراث المادي واللامادي، والمنجز الثقافي والحضاري، وما تحظى به الدولة من مبان أثرية، ومدارس عتيقة، ومتاحف، ومكتبات، وأبواب تاريخية وأسوار وقلاع وحصون ذات طابع عسكري، إضافة إلى التراث الشفهي مثل الفنون الشعبية، وفنون الأزياء والطبخ والمواسم الدينية والفنية، إلى جانب المكونات الثقافية الحديثة، من مؤتمرات متعددة الاختصاصات، وندوات علمية، ولقاءات ثقافية، ومعارض حرفية.”
والمملكة تزخر بكثير من تلك المظاهر الثقافية المادية التي تعكس تاريخاً مشرقاً ، تحتضنه بلادنا، ونحن نقدمه للآخر بكل فخر واعتزاز؛
في حين لدينا مايشبع نهم الزائر ، ويرتكز في أعماق عقله ، ويملأ قلبه إعجاباً من العادات والتقاليد ذات الطابع الاجتماعي المميز؛
وفي حين يتوجس البعض خِيفَةً من التأثير الثقافي للسياح الأجانب على عاداتنا وتقاليدنا ، وموروثنا الثقافي ،هذا الخوف لامبرر له من عدة وجوه:
•المملكة العربية السعودية بلد فتح أبوابه للأجانب منذ اكتشاف النفط، ومن قبلُ.
•يزور المملكة ملايين من أنحاء العالم للعمل ، وللحج والعمرة .
•التأثير والتفاعل لايحدث بالزيارة فحسب، فهناك مؤثرات أشدّ وأسهل وصولاً إلى العقول والقلوب ،الإعلام ، الأفلام ، الانترنت ( مواقع التواصل وغيرها).
فإذا كان الخوف يتسلل إلى نفوسنا ، لِمَ لانكون أكثر اطمئنانا ، وأماناً ونحن نبتعث آلافاً من أبنائنا إلى الغرب ؟!، ولم نسمع ذلك الخوف يتطرق إليهم منّا ، ولامنّا على أبنائنا؟!!
لماذا لانفترض الإيجابي في التأشيرة السياحية كمنجز ثقافي وطني ؟!
إن التفاعل الثقافي – كما أرى- يتماشى في خطٍ متوازٍ مع الجوانب الأخرى ، كالجانب الاقتصادي ، فكما يكون المردود المادي للبلد مفيداً ، فكذا الثقافي أخذاً وعطاءً؛
ونحن بلد مسلم ، ضارب بجذور عاداته وتقاليده في أعماق المجتمع ، متمسك بعقيدته ، ولعلي استشهد هنا بتوجيه خادم الحرمين الشريفين في لقائه بالمبتعثين، -والذي يؤكدثقة القيادة بأبنائها
وهم خارج بلدهم ، كيف وهم على أرض الوطن ؟!- ، قائلا:
“لا تعلو الأمم إلا بسواعد أبنائها فالعلم هو الأداة الفاعلة في مسيرة التنمية فأنتم سفراء الوطن تمثلونه بأخلاقكم وقيمكم المستمدة من ديننا الحنيف فأنتم خير من يمثل الوطن».، فالمواطن نظرته لذاته إيجابية ، يأخذ من الآخر مايتواءم مع موروثه ،ونمنح الآخر ما يروق له من قيمنا..