ف-نار
كم يفوتنا من أشياء جميلة، ربما كانت سببًا في سعادتنا لو أننا حرصنا على الالتفات إليها ومنحها اهتمامًا يليق بها، ومردُّ ذلك هو تعلُّقُنا بأمل كاذب وأوهام تُعشِّشُ في أذهاننا وليس لها جذور في واقعنا، أو وقوعنا تحت تأثير الشعور بالخذلان من قريب كنّا نرجو عونه أو بعيد أمّلنا مساندته، وقد يسيطر على النّفس الشعور بالحزن بسبب فقدان شخص عزيز أو تجربة خاسرة وغير ذلك من المنغصات، فنستسلم للتفكير فيها، فتتضخم المشاعر السلبية على حساب مشاعر إيجابية مطمورة في النّفس هي الدواء الناجع لآلامنا والمخرج من الهموم، وتصرفنا عن جماليّات لا حصر لها تحيط بنا، قد ندرك بعضها، ونتجاهل جُلَّها لنقع فريسةً للألم والندم والغضب والإحباط، كأنّ الدنيا قد توقفت عند حدود مشاعرنا، والحياة ضاقت فنراها من خُرم إبرة بعد أن كانت في اتساع الكون، ومرجع ذلك كله فقدان التبصُّر بصبغة الحياة وما جُبلت عليه من تقلُّبٍ في أحوالها، وعدم النظر في النّفس وما تكتنفه من قدرات عجيبة يتجاوز بها الإنسان أشدّ الصعاب، ويحوّل ضعفها واستكانتها إلى طاقة هادرة تُغيِّرُ مجرى حياته، وتقتلع الهموم من نفسه كما يقتلع السيّل الجارف الأعشاب الطفيلية، ويكنس الأشياء الحقيرة من طريقه، فتحيا الأرض بعد موتها بإذن الله.
إنّ كل إنسان يعلم بفطرته أنّ للحياة وجوهًا لا نهاية لها وسلوكًا عدوانيًا مُضمَرًا فيها، لذلك كان من العقل والحكمة ألّا يأمنَ جانبها، ولا يغفل عن مكائدها مهما ابتسمت له، لكنه يعلم أيضًا أنها تحتوي على كمٍّ هائلٍ من الجمال والفرح اللّذينِ يُمكِّنانِهِ من الصمود إن أغارت عليه يومًا، فمزّقت ضحكاته، وسلبت سكينته، وأجّجتِ النار في ضلوعه، فيُهرَعُ في سبيل التداوي إلى مخزونه من اليقين بالله والثقة بنفسه، فيستجلب لنفسه الفرح، ويُسرّي عن نفسه من فيض ما يراه حوله ببصره وبصيرته من أسباب السرور، فلا يكترث بما حلَّ به إلا بالقدر الّذي يعينه على الخلاص منه.
إنّ تعويدَ النفس الشعورَ بالرضا بأقدارنا مع وجوب العمل على تغييرها إلى ما يوافق آمالنا وطموحاتنا سيحقق لها السعادة، فأقدارنا ستتغيّرُ إن نحن عقدنا العزم، ورفعنا الهمة، وعزّزنا في النّفسِ الشعورَ بالفرح، واستعنّا بمولانا، فإننا – بلا شك – سننال السعادة، والرسولُ الكريم صلى الله عليه وسلم يقول: “لا يردُّ القضاءَ إلّا الدعاء”.
إنّ التَّفكُّرَ في موجبات الفرح الكثيرة والابتهاج بما حولنا من أصغر الأشياء التي تتكرر أمام أعيننا كابتسامة طفل، أو مساعدة بسيطة قدمتها لأحد مهما يكن حجمها، أو رسمت ابتسامة على وجه أحدهم، أو قدّرت ذاتك بسبب نجاح في مهمّة، أو غيرها… لهي جديرةٌ بأن تريك وجه الدنيا المشرق، فسعادتك تنبع من تقديرك لذاتك واحترامك لمن حولك، وابدأ بوالديك وأسرتك فهم أولى بأن تمنحهم من الفرح الذي يسكن نفسك.
فلنحرص على تعميق الفهم بأنّ لكلِّ فرد طريقًا خاصًا به، وسيكون موحشًا في بدايته، ونحن من يتحمل أجر نشر النور فيه وتجميله بما فينا من جماليات وبما مُنِحْنا من قدرات، ونحن من يتحمّل وِزْرَ تركه لعبث القوارض والأفاعي لتفتك بنا في أثناء سيرنا.
إنّ التعيس حقًا من غفل عن الجانب الجميل في الحياة، وأغمض عينه عن الشروق، وأبقى للغروب عينه الأخرى مفتوحة، أما السعيد فهو من ينظر بعينيه معًا، فإنْ وقعَ نظره على ما لا يُحمَد أغمض واحدةً ووجّهَ عينه الأخرى إلى ما يسعده، وراح يتقلّب كالباز في فضاءات المُنعم.
مقال رائع يحث على عدم اليأس والتفاؤل ومحاولة تغيير الواقع بنظرة إيجابية، فلا يرد القضاء إلا الدعاء.
زادك الله القا، ونفع بك..