المقالات

وعد بلفور المبشر ؟!

ارتبط اسم آرثر جيمس بلفور السياسي البريطاني بما عرف بوعد بلفور الذي نص على دعم بريطانيا لإنشاء وطن قومي لليهود في فلسطين حينما كان وزيرا لخارجية بريطانيا ولكن أستعرض جانباً هاماً من شخصيته لم يُلق عليه الضوء من قبل تمثل في مؤتمر أدنبرج الذي عقد في شهر سبتمبر سنة 1910 وكان للمسائل الإسلامية حظ كبير من مداولات أعضائه للبحث في مسائل العالم الخارج عن النصرانية , والاهتمام بإيجاد وحدة وتضامن بين المبشرين في أعمالهم ، وقد نشرت أعمال هذا المؤتمر ومناقشاته في تسع مجلات و حضره 1200 مندوب بينهم 502 من إنجلترا و505 من الأميركان , ومن مندوبي التبشير الأميركيين المستر (روزفلت) رئيس جمهورية الولايات المتحدة السابق , إلا أنه أرسل رسالة اعتذار عن عدم تمكنه من الحضور , لكن المستر (براين) استطاع أن يحضر وهو خطيب أميركة المشهور , وقد رشح نفسه لرئاسة جمهورية الولايات المتحدة مرارًا .
ومن أهم لجان المؤتمر اللجنة السابعة التي كان اللورد بلفور رئيس شرف لها و نظرت هذه اللجنة في المستندات التي وردت عليها من المبشرين و علاقاتهم بحكومات البلاد الموجودين فيها , وعما إذا كان يوجد في سبيل التبشير ونموه موانع وعقبات , و بحثت عن حالة التبشير في كل البلاد.
وامتدحت اللجنة خطة حكومة اليابان مع المبشرين بمقدار ما استهجنت العداء الذي يظهره الموظفون الصينيون لكل شيء تشتَمّ منه رائحة الأجنبي , أما في الهند فالمبشرون متمتعون بالراحة؛ لأن الحكومة تساعدهم وتعضدهم بالإعانات , وتشرف على المكان الذي تصرف فيه هذه الإعانات , إلا أنها مع ذلك واقفة على الحياد في الأمور الدينية , وتساءلت اللجنة عما إذا كان من الممكن أن تخرج حكومة الهند عن حيادها الديني؟
و رأت اللجنة أن حكومة هولندا تشد أزر المبشرين أكثر من الحكومة الإنجليزية , وقد رتبت لهم مرتبات مالية؛ لتصرف على المستشفيات والملاجئ والمدارس , وسبب هذا الاتفاق بين الحكومة الهولندية والمبشرين وجود ” فون بوتزيلر ” قنصل المبشرين والوسيط بينهم وبين الحكومة , أما في آسيا الغربية، فأعمال المبشرين قاصرة على الطب؛ لأن نشر الإنجيل لم يزل محظورًا هناك , والمتنصرون عرضة للهلاك في فارس وهدف للأخطار الشديدة في البلاد العثمانية.
واعتبرت اللجنة ما اسمته بالمعضلة الإسلامية في أفريقية أنها أعقد منها في آسيا , وكل ما يستطيعه المبشرون هناك هو منافسة المسلمين في التقرب من قلوب الوثنيين والاستيلاء عليهم ليس إلا ؟!
و وجدت اللجنة أن البلاد التي يدخلها الإنجليز يكون باب التبشير فيها مفتوحًا , إلا أن أهمية ذلك تقل إذا علم أن سياسة الإنجليز التي يشكو منها المبشرون مبنية على المجاملة القصوى إلى حد يضر بالمسيحيين , حتى إن الموظف يضطر للخضوع إلى العادات والتقاليد الإسلامية واعتبار يوم الجمعة يوم راحة والاشتغال في يوم الأحد كما هي الحال في مصر والسودان, ولا حاجة إلى التصريح بأن هذه الخطة تعرقل أعمال المبشرين , وتدعو إلى سخطهم وتجعل الأقباط عُرضة للظلم كل ذلك احتفاظًا بمصلحة المسلمين ! والمسيحيون في مصر كانوا إلى سنة 1907 محرومين من تعلم أمر دينهم في مدارس الحكومة على نفقة كنيستهم , بينما الحكومة تعلم القرآن على نفقتها , فإذا كان الإنجليز يودون أن يروا تعاليم الأخلاق لنصرانية ظاهرة على غيرها , فينبغي لهم أن يساووا بين مسلمي مصر ونصاراها في الحقوق أما في مدغشقر فقد كان المبشرون يلاقون صعوبة وشدة في المعاملة.
والقسم الثاني من أعمال هذه اللجنة تعلقت بموقف المبشرين أمام الحكومات من الوجهة الحقوقية , فتقرر أن يُبقي المبشرون على تابعيتهم الأولى ما لم يتجنسوا بجنسية البلاد , والمتنصرون يظلون في تابعيتهم الأولى؛ لأن علاقتهم بالمبشرين دينية محضة , ويمكن للمبشرين أن يطلبوا من الحكومات مساعدات وامتيازات ولكن لا يجوز لهم التداخل فيما يتعلق بالمتنصرين.
ولما انتهت اللجنة من أعمالها قال اللورد بلفور رئيس الشرف: إن المبشرين هم ساعد لكل الحكومات في أمور هامة , ولولاهم لتعذر عليها أن تقاوم كثيرًا من العقبات , وعلى هذا فنحن في حاجة إلى لجنة دائمة يناط بها التوسط والعمل لما فيه مصلحة المبشرين فأجيب اللورد إلى اقتراحه وتألفت لجنة مختلطة ولجنة لمواصلة العمل.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى