المقالات

إسلامية في بريطانيا و عالمية في بلاد الحرمين

خبر جميل أثلج قلوب المسلمين يفيد بأن ثلاثة مدارس إسلامية قد حصدت المراكز الأولى كأفضل مؤسسات تعليمية في بريطانيا، وجاء التصنيف بناء على معايير كثيرة أهمها تقدم أداء الطلاب و هو أحد معايير جودة مخرجات التعلم وتميزه، خبر قد يشيع الحبور و الرضا فحسب عند كثيرين لكنه لمس مني زاوية ما فبحثت عن هذه المدارس فوجدتها تتبع الثوابت الإسلامية بتوسط رائع مع الاهتمام بتحسين جودة التعليم و الجدية في العمل بالرغم من قلة أو انعدام الدعم الحكومي كالذي تحصل عليه مدارس مسيحية و يهودية أخرى.

هذه المدارس هي توحيد الإسلام في بلاكبيرن وعدن للذكور و الاناث في بيرمنجهام و غيرها، ساقني التفكير بعيدا إلى أسباب هذا التفوق في دولة كبريطانيا ذات تفرد في التعليم و بها أرقى الجامعات و تعد احد معاقل الحضارة والتقدم العلمي في العالم، و ظللت أفتش عما يمكن أن يجعلها مدارس ذات ميزة، فلم أجد تلك المعايير العجيبة التي نجدها في بعض مؤسسات التعليم لدينا حيث نبذ الدين و تهميشه يأتي في أول القائمة عند البعض ثم إهمال اللغة العربية و تجاهلها ثم طمس الهوية المسلمة والتماهي في العولمة الكونية، هذه هي معايير بعض المؤسسات العلمية المتفوقة لدينا حيث يهمش الدين ولغة الضاد و تمجد اللغات الأخرى وتفرض السمات الغربية في التصرف و المعتقد والأسلوب بل حتى في الاحتفالات والأعياد في بعض مدارسنا العالمية المصنفة بالجودة نجد الاحتفال بالهاللوين وهو عيد لتمجيد قديسي النصارى وضحايا الرعب وفي قلب بريطانيا نجد الاحتفال بالأعياد الإسلامية فقط في مدارسها، في بعض مدارسنا العالمية وغيرها من مؤسسات التعليم و التدريب نجد الحث على نبذ الحجاب وترك الحياء والسماح للتجاوزات العجيبة في الملبس وغيره و في بريطانيا تفوز مدارس تظهر طالباتها و جميع منسوباتها بحجاب شرعي وسطي جميل و ساتر و كامل!.

في بعض مدارس جدة الدولية بل و غير الدولية للأسف نجد أحيانا معيار التميز هو إضافة حصة للفنون ولعب كرة القدم وإقامة حفلات سطحية وفي قلب بريطانيا المدارس الإسلامية تتميز بالاهتمام بالعلوم الحقيقية التطبيقية والنبوغ في مجال التطبيق وصرف المال والجهد على ذلك لامجرد القشور من مظاهر و احتفالات توحي بتحرير الإناث وإطلاق قدراتهن الكامنة والحقيقة أن أغلب هذه الاتجاهات ببعض مدارسنا ال(متفوقة) تعمل على التغريب الفكري وذوبان الهوية و اقتباس الغث دون السمين.

في مدارس بريطانيا الإسلامية المتفوقة لاتجد في صورهم صورة للباس منزلق من خاصرة أحد الطلاب ولا ذيل حصان يمرح خلف ظهور الذكور بل هناك زي رسمي أنيق و مهذب وراقي ومظهر نظيف لمراهق يفرح القلب و فتيات متحجبات جميلات رائعات يعملن و يدرسن ويتفوقن بالحجاب و لم تضع إحداهن الوشاح على آخر رأسها وشعرها يسافر هائجا ومفاتنها تظهر للجميع بحجة أن الحجاب يعوق إبداعها المتدفق و طاقتها السرمدية!!.

كما إني بحثت عن أساليب الدراسة هناك فوجدتها أساليب تقوم على التحصيل الجاد باختبارات و مقاييس وأنظمة صارمة محترمة لامجرد التقييم العقيم ولا نظام المذكرات للتيسير، بل نظام شامل جاد مع اتخاذ الوسائل التعليمية الحديثة والمفيدة بلا شك، كما أن هذه المدارس تمنع التجاوزات الأخلاقية و تفرض أنظمة تمنع اي مظهر للتسيب مثل استخدام وسائل التواصل أثناء اليوم الدراسي.
إذن لماذا تفوقت ثلاث مدارس إسلامية على ستة آلاف مدرسة في دولة متقدمة كبريطانيا؟ هل تعرفون لماذا؟ لأنها ببساطة إسلامية بحق..

لم تلق ثوابتها وتدهس أسس دينها بحجة اللحاق بقطار التحضر، لم تنبذ اللغة العربية نبذا تاما كما يفعل بعضنا نحن جيران البيت الحرام بحجة أنها لغة لاتفيد ونظل نلبس الإنجليزية ثوب التقدير على حساب لغتنا فنتشدق بها و نزينها لأبنائنا بدل لغة القرآن، لم يركزوا هناك على القشور في الرياضة و ماذا نلبس في الرياضة و حبذا لو قصرنا اللباس، ليست هذه هي اهتماماتهم بل المهم بناء شخصية حقيقية متعلمة رائعة ذكية وفق ثوابت دينية وسطية و بهوية حاضرة و واضحة.

حتى الأنشطة اللاصفية لديهم وجدتها أنشطة تهتم باستثمار المواهب و تفعيلها لامجرد التأطير المجمل لفعاليات عقيمة ترفع الأسهم عند إدارات التعليم وحسب.
التعليم إن أردنا فيه التفوق فليتنا نحاكي المدارس الإسلامية في بر يطانيا لا في استيراد المناهج و المقررات وحسب بل في استعارة روح الاعتزاز بالدين والتمثل بمنهاجه مع العمل على التفوق العلمي و الحضاري والرياضي و النفسي لنكون أعظم الأمم، أمة مبدعة و مبتكرة ..

مدارس بريطانيا الإسلامية فتحت خانة مغلقة في ذاكرتنا للمجد العلمي المسلم الذي ساد الدنيا يوما ما دون تنازلات أخلاقية أو عقدية، في كثير من مدارسنا وفي نظامنا التعليمي نحتاج إلى إعادة المكانة و الرونق لمواد الدين بوسطية والاهتمام باللغة العربية والعناية بتنمية الطلاب وفق أعلى معايير الجودة العلمية دون ذوبان الهوية، كل هذا جنبا إلى جنب مع تعلم اللغات والإجادة فيها و لاتناقض في ذلك فالعقل البشري يستوعب أكثر من ست لغات دفعة واحدة كما يجب الاهتمام بالرياضة للجنسين و التهذيب النفسي عن طريق حصص الفنون و لامانع للمدارس الخاصة و العامة من حفلات الترويح والمتعة، لست ضد كل ذلك بل إني أنادي به وأن تمنح الفتيات كما الشباب كامل الحقوق والامتيازات في كل شيء وفقا لرؤية ٢٠٣٠ المستقبلية فقط وفق رحابة هذا الدين وتفرده مع إطار من التمسك بالآداب العامة و آداب اللياقة التي فقدها بعض ابنائنا وخاصة بعض بناتنا بحجة اللهاث للحصول على الحقوق الضائعة و إرجاع الحق المسلوب بتنمر وشراسة أهدرت حتى معاني الأنوثة للأسف عند البعض .

نسأل الله لمجتمعاتنا العظيمة التقدم المنشود ونسأل الله الرشاد و الإعانة لتحقيق ذلك فهي مسؤولية مشتركة بين وزارة التعليم ومسؤوليه والتربية والأسرة والمجتمع ككل والإعلام و مايبثه من وعي، فالنهضة العلمية تحتاج تخطيط وتنفيذ بطرق مختلفة لنصل لمصاف الأمم المتقدمة علميا لكن دون خسارة معنوية، لأن التنازل الحضاري عن الثوابت بحجة اللهاث للتقدم العلمي إنما يسبب خسارة الشخصية الأصلية وعدم تحقيق الهدف الذي من أجله تم التنازل، فالأهداف العظيمة الجبارة لاتتحقق بالتنازلات القيمية و الروحية و الدينية سادتي الكرام و اقرؤوا التاريخ لتصدقوا ذلك..

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى