كان خلفاء الأمويين في الأندلس خير خلفاء المسلمين بعد الراشدين وأقرب في سيرتهم إلى الشرع وأبعد عن الفسوق والبدع التي انغمس فيها أكثر أمويي دمشق وعباسيي بغداد , ويستدرك الشيخ محمد رشيد رضا في فاتحة العدد الخامس والثلاثين الصادر في الخامس من رجب سنة 1316 الموافق ديسمبر 1898م تحت عنوان : ” رَبَّنَا إِنَّا أَطَعْنَا سَادَتَنَا وَكُبَرَاءَنَا فَأَضَلُّونَا السَّبِيلاَ ” الخلافة الأموية في الأندلس والخلافة الفاطمية في مصر قائلا : ورغم أن سيرة خلفاء الأندلس كانت أحسن من سيرة غيرهم في الجملة، ولكن لا نقول إنهم ساروا بالخلافة في منهاجها الشرعي، وهو جعل الحل والعقد والنكث والفتل وسائر الشؤون العامة مقيدة بالشورى المتبعة كما كان الراشدون، ولو فعلوا ذلك لما نزل بهم البلاء ولكن السلطة كانت محصورة في شخص الخليفة، ومتى كان الأمر كذلك فإن الشقاء يكون أقرب إلى الأمة من السعادة؛ لأنها تكون تابعة لشخص واحد إذا استقام استقامت وإذا زل زلت أو زالت. وكذلك كان شأن هؤلاء الخلفاء، فقد بدأ الضعف والانحطاط فيهم في عهد هشام الثاني لأنه كان سيئ التدبير، بعيدًا عن السياسة، والأمر كله في يده، فعجز عن مقاومة الأعداء، فانحطت مهابة الخلفاء، وخضدت شوكتهم، واستفحل أمر الثوار والخارجين، وكان الإفرنج في أثناء ذلك في تقدم مستمر في الأعمال الحربية، فتجرءوا على المسلمين وطفقوا يناوشونهم القتال وينتقصون بلادهم من أطرافها، وأولو الأمر مشغولون بالفتن الداخلية، وسائر الناس قسمان: العلماء: وقد أوغلوا في فنون الأدب إيغالاً صرفهم عن كل ما سواه، بل قادهم إلى الترف والانغماس في النعيم المضعف للنفوس عن الحرب والجهاد، والصناع والزراع وهم أتباع كل ناعق ولا سيما في الأمم التي ليس فيها تربية قومية أممية، وليس لها رأي عام. وتربية الأمة وتعميم العلم والتهذيب فيها وإن كان من أهم ما جاء به الدين الإسلامي إلا أن استبداد الخلفاء والسلاطين واستئثارهم بالأمور العامة وتقصير العلماء والمرشدين ذهب بهذين الأمرين اللذين هما روح الأمم وحياتها.
واستطرد الشيخ محمد رشيد رضا قائلا : أما الخلافة الفاطمية، فقد كانت شر خلافة أخرجت للناس، تولدت فيها جراثيم الفساد ومن سيئاتهم: كثرة العهد في الخلافة إلى الأحداث، فكان ذلك مدعاة لتلاعب الوزراء والقواد بالأمر، فقد بويع الحاكم وسنه إحدى عشرة سنة وكان الوصي عليه الوزير أرجوان، فانفرد بالنفوذ وتجاوز الحد في الاستبداد، وولي المستنصر الخلافة في السابعة من عمره، وكانت أمه أمَة سوداء اشتراها أبوه الظاهر من يهودي، فتصرفت بالأمر كما أحبت، وجعلت مولاها الأول مستشاراً، فكانت الخلافة الإسلامية تدار بيد يهودية وولي الفائز وعمره خمس سنين وقيل سنتان!! وقد انحطت مصر في أيام الفائز هذا حتى كانت تعطي ضريبة عظيمة للصليبيين في القدس ليكفوا عن الإغارة على غزة وعسقلان.