ف-نار
رافقَ الإنسانَ منذُ بدءِ الخليقة، وسبقَ وجودُهُ وجودَهُ، وعصى أمرَ ربِّهِ، فأبى أن يسجدَ له ظنّاً منهُ أنّهُ خيرٌ منه، فالنّارُ – في رأيهِ – أفضلُ من الطِّين، وهو الّذي وسوسَ لأبي البشريّةِ حتّى أخرجَهُ من الجنّة، وسواءٌ أكانت هي الجنّة التي يقولُ عنها ربُّ العزّة {عرضُها السّمواتُ والأرض} أم لم تكن، فمن يكونُ الشَّيطانُ يا تُرى؟! ولِـمَ يعتقدُ بعضُ النّاس أنّ لهُ القُدرةَ على سبرِ أغوار النَّفسِ ومعرفةِ ما يدورُ في خَلدِ الإنسان، وأنّهُ يسمعُ ما يتحدّثُ بهِ النّاس بعضهم معَ بعض حتّى لو كان حديثُهم همساً لكي يتسنّى لهُ إلحاقُ الضَّررِ بهم، والدّليلُ على ذلك في رأيهم أنّهُ الـمُتسبِّبُ الأكبرُ فيما يحلُّ في الحياةِ من كوارثَ وأوجاعٍ وتَمزُّقِ شملٍ وفقرٍ وبُؤس؟ أم أنّ عدمَ فهمهم طبيعةَ الشَّيطانِ وكينونته الخفيّة، وجهلهم بمحدودية قُدراته سببٌ آخرُ لهذا الاعتقاد؟ وإذا كان الأمرُ كذلك فمن أين تَشرَّبُوا هذا الفهم؟
أمّا إذا كان الإنسانُ يؤمنُ بأنّهُ الأقوى، ولديه القدرةُ على غَلَبتِهِ والانتصارِ عليه، بلْ تجنُّبهِ قبل أن يدخلَ معهُ معركةً أو حرباً فلماذا يخافُهُ؟ ما كُنْهُهُ؟ هل يُشبهُ في تكوينِهِ الإنسانَ من حيثُ أنّهُ روحٌ ونفسٌ وجسدٌ أم أنّهُ كتلةٌ واحدةٌ من خلايا الشَّرِّ تعملُ مجتمعةً تحتَ إمرةِ غريزةِ الشَّرِّ الّتي يمكنُ عَدُّها مادَّةَ الحياةِ الّتي يستمدُّ منها بقاءَهُ، وتحملُ شريطاً وراثيّاً كالذي في خليّةِ الكائناتِ الحيّةِ الأُخرى لتكونَ ذُرِّيّتُهُ من بعدِهِ على نَهْجِهِ، بل لعلَّ هذهِ الصِّفاتِ الوراثيّةَ ترسّختْ جيلاً بعدَ جيلٍ ليصبحَ شيطانُ اليوم أشرسَ من كلِّ الشَّياطينِ الّذين تناسَلُوا قبلَهُ؟ أم أنّهُ مخلوقٌ ذو ديمومةٍ في خَلْقِهِ لا يتبدّلُ، ولا يطرأُ عليه تغييرٌ منذُ أن خلقَهُ اللهُ تعالى إلى أن تفنى الأرضُ وما عليها؟
ما شكلُهُ؟ وما هيئتُهُ؟ وهل خِلقتُهُ على النَّقيض من أفعالِهِ أم وجهٌ آخرُ لها؟ هل هو شيطانٌ واحدٌ أم شياطينُ مُصنَّفةٌ على رُتَبٍ ودرجاتٍ حسبَ دورِها ووظيفتِها، فشياطينُ الحروبِ والأمراض الّتي تفتكُ بالناس والحياة أعلى مرتبةً من شياطينِ القطيعةِ والنِّفاق الّتي تُزيِّنُ للإنسان تَرْكَ الخير دونَ أن تَحُثَّهُ على الشَّرّ؟ وهكذا…
هل الشَّيطانُ هو إبليس الّذي أبى أن يسجدَ لآدم لمّا أمرَهُ ربُّ العزّة بذلك أم أنّ الشَّياطينَ هيَ ذُرِّيّتُهُ، وأنّ إبليس اسمُ علمٍ للشَّيطانِ، والشَّيطان من الشَّيطَنةِ، وهي صفةٌ دالّةٌ على سُلوكِهِ أو على وظيفتِهِ، وتُصنَّفُ حسبَ ذلك كما صنّفَ الإنسانُ الفيروساتِ والبكتيريا والجراثيم؟
فلعلَّ الإنسانَ في يومٍ يُسخِّرُ الشَّياطينَ لمصلحتِهِ ليُعيدَ صياغةَ الحياةِ على شكلٍ آخر لتصبحَ أكثرَ أمناً وسلاماً وجمالاً.
مقال جميل أضاف إلماحات لا يعرفها الجميع وسبغ أغوار جديدة لهذا الموضوع ويصلح المقال كمقدمة لكتاب جامع يبحث في أغوار تلك المسألة بتفكير جديد خارج الصندوق متخذاً من القرآن والسنة الشريفة أساساً رئيسياً في ذلك، شكراً للكاتبة.
مقالك اللطيف،عن كائن غير لطيف، وفكرتك في تناوله فيها من الظرافه، وطرق الأبواب الموصده شيئا واضحا، كعادتك حفظك الله?، ومن الجميل استكمالا لإجابة التساؤلات المطروحه ان نقرأ كتاب عالم الجن والشياطين للدكتور عمر الأشقر رحمة الله عليه.
شكراً لكما أخي الكريم السيد النهاري والأخت الغالية خيرية
تعليقكما يحفزني لمزيد من التأمل في الّا منظور
دمتم بخير