كنا في وقت مضى نتهيب ونتوجس ونشعر بالخوف الشديد من أمر اعتبره البعض بعيد المنال من أن تقتحم المرأة سوق العمل في ما يناسب طبيعتها وحياتها وتقود السيارة والطائرة وتسافر للعلم بالرغم من تحصينها الأسري والمجتمعي والرسمي بعد أن حصنت نفسها بسلاح الإيمان وشعورها بالمسؤلية الملقاة على عاتقها وهي ربة منزل ومربية أطفال سيكونون في يوم ما من يحمل لواء بناء الوطن في مختلف التخصصات والدفاع عنه وحمايته وهو أمر طبيعي سبق وأن عشناه في فترة تأسيس هذا الوطن في عهد الملك عبد العزيز – يرحمه الله – حينما أراد المتشددون حينها أن يحرمونها من التعليم ومحاصرتها في البيت والمزرعة وعدم المشاركة في العهد الجديد عهد التأسيس ثم التوحيد وهو نفس البعبع الذي عاشه الأجداد الذي جعل من المذياع آلة تشبه الجن والشياطين الذين يسترقون السمع وأمور أخرى إجتثها المؤسس وخطط لأن تكون فاعلة في المجتمع الجديد العهد السعودي في دولته الفتية وكان أول من أدخل بناتهم في التعليم هم الذين حاربوا هذا التوجه بعد أن صدر الأمر الملكي في عهد الملك سعود بن عبد العزيز – يرحمهما الله – عندما كان وليا للعهد بافتتاح مدارس لتعليم البنات في يوم الجمعة 21 ربيع الثاني من عام 1379هـ نشر المرسوم وقتها في صحيفة أم القرى مرتبطة بسماحة المفتي الأكبر الشيخ محمد بن ابراهيم آل الشيخ –يرحمه الله – والذي من وجهة نظري أن تحتفل به وزارة التعليم باعتباره الإنطلاقة الأولى لتعليم الفتاة في المملكة العربية السعودية تعليما نظاميا حيث جاء بعد هذا التاريخ وفي غرة صفر 1380هـ حيث تأسست الرئاسة العامة لمدارس البنات تم تعديله تحت مسمى تعليم البنات بدلا من مدارس البنات .
ولقصة تعليم البنات في المملكة ورد في مقال بجريدة الجزيرة للكاتب فايز الشراري عددها 13056 الأحد رجب 1429هـ الذي أشار إلى ان الملك سعود بدأ بتعليم كريماته – في قصر المربع القرأن الكريم – ليكون حافزا ومشجعا للأهالي ليتقبلوا فكرة تعليم الفتاة بقناعة منه بأنها لابد وأن تتعلم مثلها مثل الرجال لتشارك في البناء ثم تطورت الفكرة في نجد حيث انضم لهذه المدرسة عام 1951م عدد من بنات الملك سعود فكانت بداية افتتاح ” معهد الكريمات بالرياض ” كأول مدرسة تقدم التعليم الثانوي للبنات ثم قام بتشييد مدرستين نموذجيتين في قصر الناصرية إحداهما للبنين سماها ” معهد الأنجال ” إلى جانب ” معهد الكريمات ” عام 1956م وكانت هذه المدرسة داخل أسوار قصره وتحت نظره مما شجع الأهالي لأن يلحقوا بناتهم بهذه المدرسة ثم انطلق التعليم ويؤرخ قبل هذا التأريخ بأنه في الحجاز دخل أول فوج من البنات إلى المدرسة عام 1955م بوقوف 30 بنتا في ساحة دار الحنان بجدة التي أنشأتها زوجة الملك فيصل بن عبد العزيز – يرحمهما الله – هكذا ورد بحسب ما كتبت منال الزهراني في منتصف يونيو 2017م إستنادا للقاء أجري مع سمو الأميرة لولوة الفيصل التي أثبتت ذلك في خطاب لها ألقته في تلك المدرسة وتم نشره في كتاب ” دار الحنان ” لرانيا سلامة بأن هذه الدار كانت لليتيمات عام 1354ثم التحق بها عدد من البنات وتوسع القبول فيها ويمكن الرجوع لهذه التواريخ من المصادر في قوقل واليوتيوب .
وأنا أكتب هذا المقال أتذكر بأنه مر علي في قراءة لكتاب ألفه سامح كريِّم عن عباس العقاد عندما سئل عن المرأة والشباب والزواج وعن الأدباء ومستقبل الشعر وأمور أخرى تخصه في سيرته الذاتية فأجاب حول المرأة بقوله رغم ثقافته الخارقة المتنوعة في كل علم وكل فن واستطاعته الكتابة في أكثر من موضوع وقدرته على إصدار كتاب في في أقل من شهرين عدا الشعر حسب تعبيره المنقول إلا أنه قلل من شأن المرأة في مسايرة الرجل في أي ميدان عملي بنجاح كنجاح الرجل بسبب تكوينها العضوي لكنه لم ينكر نجاحها في بعض الأعمال ولكن بدرجة أقل من الرجال بعد أن أورد أمثلة ليست معيارا في تقييم تجربتها .
وهنا أتساءل ماذا لو عاش العقاد في عصرنا هذا ورأى ما نرى من نجاحات مبهرة للمرأة بعد أن أتيحت لها الفرصة ووجدت الدعم والتشجيع من الحكومات وعلى رأسها حكومتنا الرشيدة في المملكة العربية السعودية ؟ أعتقد أنه سيغير رأيه برأي يعطيها حقها كاملا غير منقوص من الثناء والتمجيد في هذا العهد الجديد الذي حققت فيه ما لم يكن في الحسبان لو أنها بقيت على ما وجدنا عليه آباءنا فهي تشارك في تحقيق الأمن بكل معانيه وتساهم في مراحل البناء والتشييد إلى جانب مهامها في بيتها ومجتمعها بل واعتلت منصات التتويج في الداخل والخارج ونافست بشرف مثيلاتها في الدول المتقدمة المتحررة من كل القيود والمرأة المسلمة العربية والسعودية بالذات تنال هذا الشرف في حدود عفتها والتزامها بدينها وتقاليدها فهنيئا لنا ببنات ونساء مجتمعنا بما تحقق لها في صلب الحياة الآمنة المستقرة .