المقالات

التاسعة ليلًا

حديث المساء
إنها التاسعة ليلًا…
كانت عقارب الساعة
تئن تحت وطأة الحدث !
ترجّلْت من سيارتي،
طرقت الباب ..
ليس كما تُقرع الطبول،
بل طرقته بهدوء وسكينة ..
استرقت السمع ..
فسمعته يهرول مسرعًا..
من تلك الغُرفة المُظلمة
التي تسكنها الأشباح !
إلى الغرفة المجاورة !!
انتظرت قليلًا…
فُتح الباب على استحياء،
خرج لي ابنه الصغير
كالزهرة اليانعة !
سألته عن أبيه ؟!
أشار بيده إلى الغرفة الأخرى !
ناديته من بعيد …
فلم يجب !
ثم ناديته مرة أخرى ..
فأجابني بصوت مختنق …. !
أتى إلى الباب ..
وكأنه يعود إلى الوراء
سألته .. ؟!
هاتفك مُغلق منذ فترة طويلة،
وأنا قلق عليك !!
أجابني بصوت متهدج !
مشاغل الحياة وهموم الدنيا ..
وظلّ صامتًا. . !
ابتسمت في وجهه،
وربت على كتفه،
أخذت بيده اليُمنى
خرجنا سويًا
وخطاه تكاد تتشبث بالأرض !
ذهبنا واحتسينا القهوة،
التي كان يحتسيها
بلا طعم أو لون أو رائحة
ولسان حاله يقول:
أتعاطى من أجل أن أعيش،
وأعيش من أجل أن أتعاطي
تحدثنا عن المشكلة
بكل أبعادها وصورها وتفاصيلها ..
حاورته كثيرًا ..
وأنا أتواصل معه بصريًا،
استمعت إليه طويلًا..
ومن ثم استمع إليّ !
محاولة مني لكسر الإنكار،
وتقوية الدافعية !
كُنّا على موعدٍ في اليوم التالي
للبدء في مرحلة العلاج !
حضر وقابل الطبيب ..
كان مترددًا في قرار العلاج
يسيطر عليه القلق
رفض البقاء في المشفى
خوفًا من شمْت الشامتين …
الذي صوره له المرض ..
مرض الإدمان
يكره بيئة المجتمع العلاجي
يُريد من المدمن أن يعيش
في عُزلة عن الآخرين،
كونها بيئة خصبة له كي ينمو
ومن ثم القضاء على المريض …
وعدني بالتوقف،
وعدم التعاطي، ومحاولة التغيير !
أطلقت له العنان،
وحُرية الاختيار،
والشكوك تُساورني
أنه في خطر … لإيماني
ومعرفتي بخِداع مرض الإدمان
وحيله النفسية الماكرة !
مشكلة المرض
ليس في قرار التوقف
بل كيف أتوقف ؟!
هجر المخدر
وتوقف أسبوعًا،
شعر معه بنشوة الحياة،
وقوة الانتصار على الذات !
تعود إلى جسده
كما يعود الماء
إلى الأرض الجدب
أصبح يرى النور
والأشياء من حوله بشكل ولونٍ
مختلف دون غشاوة،
يشُمّ رائحة الحياة،
ويتذوق جمالها
وكأنه قد كان في سُبات عميق !
بدأ في التواصل مع من حوله،
بعد أن كانوا في طيّ النسيان،
ذهب لعمله ومصالحه الشخصية!
جاءت الإجازة،
عاد أدراجه وأغلق جواله !
حاولت الاتصال به مرارًا !
أسمع صوتًا آخر !
عفوًا إن الرقم الذي طلبه
لايمكن الاتصال به الآن ..
حاول مرة أخرى !
حاولت مرارًا.. ولكن دون جدوى.
انقطعت أخباره !
أيقنت أنه عاد الى تلك
الدائرة اللعينة !
أسأل نفسي مرارًا
هل سيعود يومًا
ليرى جمال الحياة ؟!
إن الأمل ليس ببعيد !
أعلم يقينًا
أن تلك النفس البشرية
فيها من النقاء والصفاء
ما يجعلني أشعر بالحزن
والأسى حين أراه يموت حيًا !
يتمتع بالكثير
من السمات الطيبة
ولكن الحيل النفسية لهذا المرض
لا تُفرق بين غني وفقير !
لقد قذفت به
إلى ماهو أبعد من ذلك !
ياتُرى متى تتحقق
مشيئة الرحمن
ليرى النور ويُلقى
بتلك المخدرات في مكان سحيق ؟؟!!
اقبلوا … مريض الإدمان
كما هو ولا تزدروه أو تنتقصوه
فهو مريض كسائر المرضى يحتاج منا الاحتواء والعون والمساعدة.

Related Articles

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back to top button