حين كتب محمد الكثيري -رحمه الله ذات عشق واصفاً الهلال بأنه : (أسّسه ((مارد)) واكتشفه (عفريت) وسماه (ملك) كنا نحسبه شيء من هذيان العشاق
وحين وصف الهلال بقوله:
هو ((عجين أمي)).. و((قصيدة أبي))… و((خبز أبنائي))
تخيلناه مجرد عاشق يعيش في جلباب صورة مرآوية تتمرأى فيها
الأنا وتتكهفها مخيالياً
وتوقعنا مايكتب (تصميم شعري) لحقيقة نادي الهلال من خلال (شعرنة عاشق)
أما حين قال : (الهلال اليوم لي وغداً لأبنائي وفي المستقبل لأحفادي)
فلم يبارح من حوله القول :
لقد نسج العشق أخدوعاته في ذهن الكثيري ، وخضع لسطوته فهذا هلالٌ مجازي أقرب إلى التأسطر أو الوجود الكنائي المحمل بالدلالات الشعرية الذي لايمكن تجسيده على أرض الواقع كفريق كرة قدم
وكنت أقول : هو كاتب يتهدده الخطر بأن يكون أيديولوجياً وقد تفرض عليه الأيديولوجيا سلطة الإنهاء
رحل الكثيري بعد أن خلّدحرفه بالهلال وبقي الهلال يدهشنا بأنه يتحول إلى رؤيوية محمد الكثيري
واصل الهلال اشتقاق رسوخه وكرّس حضوره وجعل كل الأمجاد والبطولات والتاريخ مجرد محطة عبور إلى عالم جديد
وتحول الهلال فريقاً نَهِِِماً بإحساس رغبوي شره ،
يعالنه وهو يجندل الخصوم ويقدم لعشاقه المجد ويصنع لهم البطولات وكأنها فاكهة مشتهاه تأتي في غير مواسمها وعلى نحو غير متوقع
حين كتب الكثيري عن الهلال كان يكتب بغبطة البدايات حيث البطولات والحضور وحتى الإمتاع أقل مما هي عليه اليوم
ماذا لوعاش الكثيري إلى مابعد حقبة البارحة وإعلان السيادة الأسيوية ب٧ بطولات بنكهات متعددة ومسميات مختلفة ومذاقات أشهى كيف كان سيكتب ؟ !!!
كيف سيكتب عن الهلال الكائن المؤجل والغيبي والمتعلق باللامعقول؟!!
كيف لقلمه أن يجسد الهلال الذي يدمر نفسه عن عمد في حالة إنكار علني لقيمته الحالية بحثاً عن معنى آخر أكثر رسوخاً في ذاكرة الزمن
وليخرج من جديد بفعل الخلاص ،
وحده الهلال يفعل هذا
يمزق الواقع يحيله إلى وصله وجدانية بينه كبطل وبين عشاقه على أنغام عزف سائغ اللذة يليق بالأساطير فقط
الهلال شجرة الأعياد و(مصدر دائم للبهجة) وحالة من اللامعقول في قمصان فريق
الهلال الفريق الذي يسرب لك شعوراً بأنه (فريق مثقف )
أو هو كتاب اعتنى به مؤلٍّفه على نحوٍ غير مسبوق
الهلال أكبر من مجرد فريق يلعب الكرة
الهلال كائن واعي ، يتعلم باستمرار
يجدد روحه كما يليق ببطل لايبلى
يجيد العمل على نفسه بشكل مقنع
فضاءاته دوماً بعيدة وكاريزما مختلفة
فريق يستدعي بطولاته وأمجاده من التاريخ
يدفن سيرتها بسوء نية أحياناً ، ولحاجة لابد منها أحيان آخرى حتى لايركن إلى التاريخ الذي هو سمة الإنسان العربي
يتمرد الهلال على نفسه بوعي سادر
يبقي فقط على نغمة الحضور الدائم
يتذكر من أمجاده شعور لحظة الفرح
لاينزل من عليائه إلى وادي التاريخ
بل بات يدعو التاريخ ليصعد معه إلى قمة عليائه صانعاً الهلع في أرجاء آسيا