المقالات

سجون الوهلة الأولى

قلق الغرباء، ومن خلال المصطلح ممزوجًا بالعنوان لن يجد القارئ سوى ذلك المصطلح الذي توافق عليه علماء النفس؛ ليرشد بجلاء إلى مشكلة معروفة متكررة لدى الأطفال، والتي قد تُصاحب بعض الأطفال إلى سن العام وقليل ما تتجاوز إلى العامين، ولها عدة علامات كالتحديق فيه أي الغريب، ومحاولة الاختفاء عنه والبكاء …. إلخ وهي كما تعلمون مشكلة نفسية معروفة، ولا يخلو بيت منها أو من بعض ملامحها.

الحقيقة أني هنا لا أقصدها بعينها، بل بما يشبهها مع حفظ الفارق، وإقرار التباعد والتباين المقصود.
صحيح أني أتحدث عن قلق الغرباء، ولكن ليس ما يعرف بين الأطفال، بل كذلك ليس ما يحضرك للوهلة الأولى، ولكن ما أقصده ذلك الشعور الذي شابه فيه العاقل عقلية ذلك الطفل وشعور ذلك الصغير حين رفض الآخر لغربته، وأعلن العداء لمجرد جدّته، ولم يصل لتلك المرحلة إلا بعد أن بنى تصورات شتى وأفكار متعددة تقول: هذا ليس محل ثقة.
كثيرًا ما نسمع (لم أرتح لفلان) و(ضاقت نفسي من أول ساعة رأيته فيها)، وقس على تلك الجمل الكثير، كل تلك التعبيرات خرجت دون أي دليل، وظهرت دون حجة أو برهان.
السؤال أيهما يحمل المشكلة ويعيش تلك الأزمة؟
في نظري وقد أتوافق وإياكم أن المشكلة حقيقة هي في صاحب ذلك الشعور، لأنه انطلاقة الفكرة وبداية التأويل، ولن نتحدث عمّا يصحبها أو ما بني عليها وعن ردة الفعل وردة ردة الفعل، وكيف لها أن تجعل تلك الفكرة المبنية على باطل حق كفلق الصبح وصواب لا يحتاج إلى تدقيق، كل ذلك كان سببه وهمًا تحكم في الأفعال والأقوال، وأدار المشهد دون أن يكون له صلة أو قاعدة تستحق.
نستطيع أن نسمي تلك التبعات أسوار الوهلة الأولى، بل سجون الوهلة الأولى، وهي الصلاحية التي مُنحت لتلك اللحظة أن تتحكم فينا وفي أفعالنا وردّات الأفعال، بل وكيف استطاعت أن تدير المشهد برمته وتستشري في كل ما تلاها.
يتجلى سوء الظن في المشهد السابق، كما ينبئ عن سوداوية أتاحت الفرصة لانطلاقه ونشوئه.
كما أن ذلك الشعور لا يتوازى نهائيًا مع الحذر والفطنة، بل ظلام داخلي جعل الأصل فساد الآخر حتى تثبت براءته.
أعلم أنني قد أبالغ أحيانًا في بعض التوصيف، ولكن يستفزني ذلك الشعور، ولا أحسبه إلا ظلم صُراح وبغي على من يتملكنا ذلك الشعور تجاهه، فسابق الفكرة ترشد الجوارح أحيانًا، وهذا ما يصنع قصة قصيرة مؤلمة.

غرد بــــ
لا تمنح الوهلة الأولى تصريحًا يعاقب عليه القانون

Related Articles

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back to top button