في عام 627 للميلاد وصلت للإمبراطور الروماني “فلافيوس أغسطس هيراكلوس” المعروف عندنا بهرقل رسالة من رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ جاء فيها :
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
مِنْ مُحَمَّدٍ عَبْدِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى هِرَقْلَ عَظِيمِ الرُّومِ، سَلَامٌ عَلَى مَنْ اتَّبَعَ الْهُدَى، أَمَّا بَعْدُ:
فَإِنِّي أَدْعُوكَ بِدِعَايَةِ الْإِسْلَامِ، أَسْلِمْ تَسْلَمْ، يُؤْتِكَ اللَّهُ أَجْرَكَ مَرَّتَيْنِ، فَإِنْ تَوَلَّيْتَ فَإِنَّ عَلَيْكَ إِثْمَ الْأَرِيسِيِّينَ، وَ(يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَنْ لَا نَعْبُدَ إِلَّا اللَّهَ وَلَا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَلَا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ) [متفق عليه].
فكان رد هرقل على الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ :
إلى أحمد رسول الله الذي بشر به عيسى، من قيصر الروم،إنه جاءني كتابك مع رسولك، وأني أشهد أنك رسول الله، نجدك عندنا في الإنجيل، بشرنا بك عيسى بن مريم. وأني دعوت الروم إلى أن يؤمنوا بك فأبوا، ولو أطاعوني لكان خيراً لهم، ولوددتُ أني عندك فأخدمك وأغسل قدميك ”
فمن هم الأريسيون الذين حمّل رسول الله صلى الله عليه و سلم امبراطور القسطنطينية إثم ما حلّ بهم ؟ بعض كتب التفسير ذكرت أن “الأريسيين” هم فقراء و فلاحو الروم وأخرون فسروها بأنهم أتابع مذهب من مذاهب النصارى ؟!
لقد شكلت الصراعات والمعارك تاريخ المسيحية بسبب تعدد العقائد والخلافات الشديدة لكن يمكن تقسيم المسيحية عامة بين تيارين أساسيين : أنصار التثليث وأنصار التوحيد وهم البقية الباقية من أتباع السيد المسيح ــ عليه السلام ــ حتى بعثة الرسول محمد صلى الله عليه وسلم ؟َ!
كان السواد الأعظم من النصارى وفي مقدمتهم صفوة رجال الدين على العقيدة التي تعلمها الحواريون من سيدنا المسيح ـ عليه السلام ـ ولم تكن عقيدة التثليث والزعم بأن المسيح إله معروفة وكان من أبرز رجال الدين الذين تصدوا لتحريف العقيدة المسيحية القس أريوس (256-336 م) في الإسكندرية ــ مصر ـ .
حينما بلغ آريوس الخامسة و الخمسين من عمره كان أسقف الإسكندرية ألكسندروس قد بدأ بنشر فكرة وثنية مفادها أن المسيح عليه السلام هو ابن الله و إله كامل الربوبية و لقيت معارضة آريوس تأييدا واسعا من الأساقفة وفي مقدمتهم أسقف ليكوبوليس ـ أسيوط بمصر ـ .
وفي مجمع نيقية الأول الذي عقد في منتصف عام 325 م تمت إدانة أريوس وحرمانه لرفضه تأليه يسوع ورفضه عقيدة التثليث وعدل مجمع نيقية العقيدة المعروفة باسم “عقيدة الحواريين” وأصدر بيانا ذكر فيه أن يسوع من نفس طبيعة الله ومن نفس جوهره ؟! وأُرغِم أغلبية الاساقفة وكانوا من الموحدين على التوقيع على البيان خوفا من القتل ولكن آريوس و اثنين من رفاقه رفضوا التوقيع فصدر الأمر بنفيهم الى جنوب ألمانيا ! ثم تمَّ عزل جزء من الأساقفة الموحدين ونفي الباقون رغم توقيعهم على البيان مما دفع أحد القساوسة المنفيين وهو يوسابيوس أن يكتب رسالة للإمبراطور قسطنطين جاء فيها ” لقد ارتكبنا خطأ كبيرا أيها الأمير عندما دفعنا خوفنا منكم للموافقة على كفر ” !
تعرض الأريسيون لمذابح بشعة حرقا وتعذيبا وتنكيلا وقتلا بمئات الآلاف مما دفع قبائل الجرمان للثورة ونجحت في اقتطاع الجزء الغربي من الامبراطرية الرومانية وكونت ثلاث ممالك موحدة: مملكة القوط الشرقيين ـ ايطاليا ـ و مملكة القوط الغربيين ـ اسبانيا ـ و مملكة الوندال في شمال افريقيا ! لكن تمكنت الإمبراطورية الرومانية من القضاء على مملكة القوط الشرقيين ومملكة الوندال وإنتهى المذهب الآريوسي رسميا في العام 586 للميلاد بإجبار ريكاردو ملك القوط الغربيين ـ إسبانيا ـ لتغيير مذهب دولته للتثليث لتصل بعد 41 عاما من هذا التاريخ رسالة الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ لهرقل.
إن من يتهمون الإسلام بأنه انتشر بحد السيف إنما يكذبون التاريخ ويطمسون حقائق لا يعرفها الكثير من المسلمين اليوم وهي أن الإسلام رفع السيف ليضمن حرية الاعتقاد وليرفع الاضطهاد عن أتباع المذاهب المسيحية الأخرى الذين كانت الكنيسة الرومانية الكاثوليكية تنكل بهم وفي مقدمة هؤلاء الأريسيون أصحاب عقيدة التوحيد التي بقيت سائدة في مصر و الشام وأسبانيا رغم الاضطهاد والتنكيل حتى الفتح الإسلامي لهذه الدول وقد كانوا في طليعة الجيوش الاسلامية والأسرع إلتحاقا بها ودخولا في الإسلام .
