منذ عام 2001 كل وثائق الأمن القومي الأمريكي تكرر أن الصين لن تكون الحليف الاستراتيجي للولايات المتحدة بل خصمها ومنافسها الأول في القرن الحادي والعشرين.
وعندما نتحدث عن الزعامة والريادة الإقليمية والعالمية فإننا نتحدث عن القوة الحقيقية والنفوذ وهي ليست أقوالا وإنما حقائق وأرقام تتحدث عن نفسها وهذه لغة العصر في التنافس الجاري بين الصين والولايات المتحدة على ريادة العالم الجديد يحتدم بصورة معقدة ومبهمة.
نحن أمام تحول في استراتيجية البلدين بالتحول على المواجهة المعلنة بعد أن كان هذا الاحتمال مجرد تكهن أو توقع، وتشعر الولايات المتحدة أن الصين تنتزع الريادة التجارية منها وتقود الطريق في سيادة التنمية الاقتصادية وتدشن قوى أخرى أوسع وأقوى من العولمة، وأنها بدأت تهدد التفوق الأمريكي، فاقتصاد الصين ينمو قريب من 9 في المائة، ويمكن أن يستمر لعقود مقبلة، وسيكون اقتصاد الصين عام 2030 أكبر من اقتصاد الولايات المتحدة وستتحول إلى قوة عسكرية وسياسية.
هناك تقارير أمريكية عديدة تعتقد أنه لولا أحداث 11 سبتمبر 2001 لكانت أمريكا والصين على شفير هاوية المواجهة كخصمين استراتيجيين لا كشريكين تجاريين وأمنيين ضد الإرهاب، فأحداث 11 سبتمبر 2001 أرجأت خطوط المواجهة بين هذين العملاقين لكنه لم يلغه.
فلا تزال ردود الفعل الاستراتيجية على التفوق الأمريكي مستمرة، فلم يكن أمام الولايات المتحدة سوى اندفاعها في الشرق الأوسط الكبير هدفها إحكام الطوق على الصين والتحكم في السيطرة على مناطق النفط لمنع الصين المتعطشة للنفط أن تهيمن على هذه المنطقة إلى جانب تحريك اليابان والهند ضد الصين.
استمرت الصين في سرقة الأسرار والعلاقات بين واشنطن وبكين دخلت مرحلة صراع النفس الطويل بدا ذلك من خلال حروب الانترنت الإلكترونية والحرب التجارية وهي بوابة جديدة للصراع من خلال الحرب الجاسوسية وسرقة الملكية الفكرية بما فيها الأسرار التجارية باهظة التكاليف.
منذ وصول ترمب للرئاسة في الولايات المتحدة أعلن في القمة العربية الإسلامية الأمريكية في الرياض في 21 مايو 2017 انتهاء مرحلة الإرهاب التي دشنتها الولايات المتحدة عام 2001 بحجة أحداث11 سبتمبر، وحضر هذه القمة أكثر من 55 دولة من أنحاء العالم، وشدد ترمب في خطابه أمام القمة على أهمية الاتحاد في وجه التصدي للإرهاب والتطرف، لكن إيران لم تستوعب هذه الرسالة وهذه المرحلة، وعلى الفور في 8 مايو 2018 أعلن ترمب انسحابه الآحادي من الاتفاق النووي مع إيران الذي وقعته الدول 5+1 استبدلها بعقوبات صارمة على إيران إذا لم تجلس على طاولة المفاوضات استجابة للمرحلة الجديدة التي دشنتها الولايات المتحدة لكن إيران ترفض خسارة كل مكتسباتها التي حققتها منذ عام 2001 وخصوصا بعد ما يسمى بالثورات العربية 2011 على الأقل تبحث عن بقاء بعض منها.
انطلقت مناورات بحرية روسية صينية إيرانية مشتركة في شمال المحيط الهندي وبحر عمان في 27 ديسمبر شعرت إيران أنها دولة ليست معزولة خصوصا بعدما عززت الولايات المتحدة وجودها في الخليج بعد حرب الناقلات التي قامت بها إيران نفسها وتعتقد إيران أن هذه المناورات المشتركة بداية نهاية الهيمنة البحرية الأمريكية وأسطولها الخامس في الخليج العربي، رغم أن الصين كان تصريحها دبلوماسيا مناقضا تماما لتصريحات إيران واعتبرت المناورات تبادل خبرات وليس مرتبط بالوضع في المنطقة.
تصاعدت التوترات في الشهرين الأخيرين قبل نهاية عام 2019 بقيام مليشيات الحشد الشعبي في العراق الذي يأتمر بإمرة الجنرال قاسم سليماني الرجل الثاني في إيران على قواعد عراقية يتواجد فيها عسكريين أمريكيين أسفر عن مقتل عدد من العسكريين العراقيين وصولا إلى استهداف قاعدة عسكرية في كركوك شمال بغداد بثلاثين صاروخا في 27 ديسمبر في نفس يوم المناورات العسكرية في بحر عمان مع روسيا والصين تسبب في مقتل مدني أميركي ردت الولايات المتحدة بعد يومين في 29 ديسمبر 2019 بقصف منشآت لحزب الله العراقي نتج عنه مقتل 25 مقاتلا.
لكن اقتحام السفارة الأمريكية في المنطقة الخضراء في بغداد من قبل الحشد الشعبي الذي يأتمر بأمر الجنرال قاسم سليماني وتدخلت الحكومة العراقية المؤقتة وتوصلت إلى انسحاب الحشد الشعبي من المنطقة الخضراء، ولأمريكا خبرة سابقة في اقتحام السفارة الأمريكية في ليبيا وقتل السفير الأمريكي وكانت سبب في منع وصول هيلاري كلينتون إلى سدة الرئاسة، بسبب أنها لم تكن لديها القدرة في التعامل مع مثل هذا الحدث الذي كسر هيبة أمريكا في الخارج والداخل وتسبب في نقمة الشعب الأمريكي بسبب مقتل سفيرها.
اليوم تدرك الولايات المتحدة أن إيران عبر أذرعها في العراق التي تأتمر بأمر قاسم سليماني أن تتحالف مع الديمقراطيين الذين يريدون عزل ترمب في تكرار سيناريو سفارة ليبيا في العراق وسبق لها أن تعاملت مع الجنرال قاسم سليماني في أفغانستان والعراق وقدم لها معلومات كافية ويمسى بالمعلم في إيران وتدرك نوايا في مواجهة أمريكا، فعاجلت الجنرال قاسم سليماني المعلم والمهندس لكل ما يجري في الشرق الأوسط الذي دخل العراق لترتيب هذا السيناريو بسبب أن هناك أصواتا في العراق ترفض مثل هذا السيناريو من أن يصبح العراق ساحة تصفية حسابات بين إيران وأمريكا.
حيث تدرك أمريكا أن القرار بيد خامنئ وليس بيد الساسة العراقيين، فقتلته هو ووكيله في العراق أبو مهدي المهندس الذين أرادوا سحق الاحتجاجات وانتزاع السلطة من الحكومة المؤقتة وتسليمها للمليشيات بأمر خامنئ وأعلنت أن مرحلة مسايرة الإرهاب انتهى عهدها ،انتهى مع هذه المرحلة جنرال الدم الذي استمر نحو عقدين من الزمن في قتل الشعب العربي فقط لتنفيذ مشروع ولاية الفقيه عبر تصدير مشروع أيديولوجي.
ولم يعد أمام إيران أوراق تفاوض بها عبر لبنان وسوريا والعراق واليمن مع الولايات المتحدة بعد هذه المرحلة، وحتى اشتباكها مع أمريكا سيكون بأدواتها وعبر حلفائها ولن يكون اشتباك مباشر، ولكنه سيكون مكلف جدا عليها وعلى حلفائها، خصوصا ونحن نلحظ أن إسرائيل عقدت هدنة طويلة الأمد مع حماس للتفرغ لحزب الله في لبنان، ووضعت رأسا الولايات المتحدة عصائب أهل الحق ورئيسها الخزعلي وشقيقه على قائمة الإرهاب.
ورغم أن مليشيات الحشد الشعبي أعلنت استنكارها لقتل الجنرال قاسم سليماني وأبو مهدي المهندس نائب الحشد الشعبي في العراق أصابها الهلع وستندحر وتقبع في جحورها خشية أن يصيبها ما أصاب الجنرال قاسم سليماني وأبو مهدي المهندس ورفاقهم كل ذلك يصب في صالح الاحتجاجات الوطنية، لكن عليها أن توظف تلك الأحداث توظيفا سياسيا، وتحذر من حرف مسار احتجاجاتها وأهدافها، وعدم التدخل في نقد مثل تلك الضربات، وتترك موضوع السيادة جانبا، لأنها هي التي ستعيد السيادة مستقبلا بعد خروج إيران من العراق.
سيكون ترمب حقق أهدافا كثيرة بهذه الضربات لصالح استمرار التفوق الأمريكي هذا من جانب ومن الجانب الآخر سيكتسح الانتخابات المقبلة.